القمع وتكميم أفواه الناس بحجة حكم القانون أو حكم القيم والعادات لا يأتيان دائماً من الدولة (السلطة)، إذ يحدث في أحيان كثيرة أن يمارَس من هيئات ومؤسسات "ملحقة" بالسلطة وتابعة لها، لا مادياً فقط بل فكرياً كذلك، حين تحيا وتطفو تلك المؤسسات التابعة على سطح مستنقعات القمع السلطوي للدولة.
حالة د. هيفاء الكندري تعد مثالاً حياً على نوعية ذلك القمع والإرهاب الرسميين حين تحدّ وتكبت حرية التعبير، ويصبح حال الأستاذ الجامعي الذي يحاول أن يعبّر عن رأيه غير مختلف عن حال الكاتب أو المغرد حين يعبّر أي منهما عن رأي خاص في قضية عامة، فيتم توظيف النص القانوني القمعي ليركَّب على الواقعة (المقال، التغريدة… إلخ) ويتم قهر صاحب الكلمة بالمحاكمات أو تحقيقات النيابة حتى يعرف صاحبها، في ما بعد، أصول مهنة التدجين الفكري، ويتم ذلك عبر قانون الجزاء أو المطبوعات، ومن خلال أقنيتهما القاهرة، أو من خلال العقوبات الإدارية والتهميش الاجتماعي.
هيفاء الكندري لم تقل شيئاً، إلا أنها أبدت رأيها في واقع جامعي كما تراه حين يشهد أحياناً سلبيات أخلاقية وبعض حالات الجنوح الخلقي في مجتمع المحافظين، لم تتهم هيفاء أحداً ما، لم تدن هيفاء طرفاً ما ولم تشتم أو تقذف أحداً، لكن ما العمل في مجتمعات ودول الرياء والنفاق حين يروم أبطال المشهد المسرحي تصوير حياتهم وممارساتهم على أنها ملائكية، فيتم تزوير الواقع المعيش؟! ومن خلال هذا التلفيق يتم تزوير التاريخ عمداً وبسبق إصرار.
لا أدري أين الفرق الفكري في عالم الرياء الاجتماعي بين الإدارة الجامعية، ممثلة بأعضاء هيئة التدريس، واتحاد طلبة الجامعة حين أدانا وأبديا أسفهما بشأن فحوى مقابلة هيفاء في جريدة الراي، فالإدارة الجامعية، في بيانها المضحك، وشر البلية ما يضحك، أو ربما يثير الغثيان، تقرر أن "أعضاء هيئة التدريس والهيئة الإدارية مثال يحتذى به!!! (علامات التعجب الاستنكارية من عندي) وأن طلبة الجامعة على مستوى عالٍ من التربية والأخلاق الحسنة"!.
لاحظوا كيف صيغ البيان المأساة، هيئة التدريس "مثال يحتذى" وطلبة الجامعة على "مستوى عالٍ من التربية والأخلاق الحسنة"! هل اتهمت هيفاء، التي شُكِّلت بحقها لجنة تحقيق من الجماعة ذاتها، التي تتهمها اليوم، أحداً ما؟! هيفاء لم تتحدث قط عن "كل" أعضاء هيئة التدريس، ولا عن "كل" الطلاب أو الطالبات، وإنما أبدت رأياً في "بعض" الممارسات السلبية، التي يجب أن تكون محل بحث وتدقيق، فأين الخطأ وأين الجريمة في مثل هذا الرأي؟ هل تريد أن تقول لنا هيئة التدريس إن جماعتها من جنس الملائكة، وإن الطلاب والطالبات لا يختلف حكمهم الملائكي عن جماعة هيئة التدريس… فهل أنتم الكمال؟ وهل أنتم شهب السماء العالية… أم أنتم أسطورة من اساطير "هوميروس" في اليونان القديمة؟! أرى أنكم بالفعل أسطورة، لكنها أسطورة نفطية خليجية مضحكة، وأعيد مكرراً بأن شر البلية ما يضحك… فكم أنتم مضحكون…