إذا حلت السلطة مجلس ٢٠٠٩، ودعت إلى انتخابات جديدة وفق الدوائر الخمس، وصحت من أحلام اليقظة عن مراسيم الضرورة أو ترتيب وضع مجلس الأمة القادم ليكون في قفص التدجين السياسي بمعارضة صوتية وشكلية لا تخرج عن طوع الولاة، لو حدث كل ذلك، فهل المطلوب بعدها أن تتوقف تجمعات ساحة الإرادة وينتهي الصخب السياسي مرة واحدة وللأبد؟ فالسلطة، كما يقول اتباعها ومريدوها، قدمت كل ما يمكنها حسب رغبات المعارضين، وسارت على الخط المستقيم، فلماذا إذن تلك التجمعات والندوات السياسية المفترضة، وماذا يريد أهلها من مثيري الشغب وأصحاب التطلعات السياسية اللامنتهية؟! هذا ما يحلم به ويتمناه منظرو حزب الشيوخ أبخص، وهذا ما سيرددونه بأصوات عالية ضد المعارضة الشرسة التي يمثلها التكتل الشعبي والإسلاميون، مثل جماعة حدس أو غيرهم من المستقلين! سيتهم “عقلاء” حزب الشيوخ أبخص المعارضين بأنهم “أصحاب طلايب”، وسيقولون لهم، إذا أردتم الاعتراض فلديكم قاعة عبدالله السالم حسب الأصول الديمقراطية، أما الخروج للشارع فهذا حكم الغوغاء والفوضى، وهو مستنقع رمال متحركة ستغطس فيه الدولة اقتصادياً وسياسياً، وكأن السلطة لم تكن يوماً مسؤولة، والسبب الأول والأخير لمعظم خرابنا الحالي بداية من فوضى المرور إلى التقنين الرسمي لحالة “احترامي للحرامي، صاحب المجد العصامي” وكأنها لم تكن يوماً موضع شك في قضايا الفساد المالي والسياسي والمحاباة لجماعات دون أخرى في التوظيف أو توزيع كعك خير الفوائض المالية للمؤلفة قلوبهم. هل المطلوب منا أن نصدق شعارات أصحاب هذا الحزب السائر بخير عطايا السلطة وبركاتها، أو البشر المساكين الذين صدقوا كلامهم، ووضعوا المعارضة في قفص الاتهام بالمسؤولية، ونسوا السبب الأصيل لحالة الضياع الكبير لمعظم قضايانا؟. يجب ألا يكون هناك أي سقف للمطالبات الإصلاحية، فحق تشكيل الأحزاب (سموها هيئات أو لعنات لا يهم)، وإعادة تقسيم الدوائر لدائرة واحدة، والأخذ بنظام التمثيل النسبي، كلها كمحاولات جادة لتحقيق ديمقراطية صحيحة ودولة دستورية شكلاً ومضموناً هي قضايا يجب ألا تكون لها حدود وأسقف، ولا يصح حصرها بقاعة عبدالله السالم، ولو حدث أن عاد أكثر نواب مجلس 2012 إلى مكانهم في المجلس القادم، وحاول بعضهم أن يفرض رؤيته ونهجه بقبر ما تبقى من الحريات الشخصية في الدولة، أو أراد فرض المذهبية الطائفية بحجة أن هذا صوت الشعب وحكم الأغلبية (وهو جوهر الفكر الفاشي)، عندها لابد أن تخلق معارضة للمعارضة، ونقض الأخيرة من أساسها، ولا يعني ذلك الاصطفاف خلف حزب الشيوخ أبخص، باعتباره “أهون الشرين”، فهنا مكمن قصر النظر والسذاجة التي يروج لها الكثيرون بحسن نية أو ربما بسوئها. ساحة الإرادة ليست حكراً على معارضة اليوم، وليس لنا أن نقبل حصرها في “مكان ما مقابل المجلس”. لتكن هذه الساحة وعياً بالحريات الإنسانية، وليكن اسمها “إرادة التغيير” التي يجب ألا تتوقف وتجمد على حال، والقول بغير ذلك لا يعني غير الموت. ملاحظة: ليت وزارة الداخلية توسع صدرها وتتذكر أن اليوم هو يوم مهاتما غاندي، ومارتين لوثر كنج، ومانديلا… وليتها تتذكر، أيضاً، أن “البدون” بشر لا يحملون كرت الجنسية، إنما فقط كروت ملونة… هذا الفرق بيننا وبينهم.