هي سلطة شريم تنفخ و”ما ميش برطم”… بكلام ثانٍ السلطة تحفر في البحر، حين تعجز عن هضم مجلس ٢٠١٢ المبطل، وتجهد نفسها في البحث عن بدائل يمكن أن تعيد ذكريات زمان، ومجالس أغلبية شعار الشيوخ أبخص والجيب أوسع. على السلطة أن تدرك في النهاية أنها مهما حاولت اللعب بأوراق الانتخابات، فالنتيجة واحدة، فهي إما أن تنحني لرياح التغيير أو تعاند وتتهشم عندها أغصانها، فبدائرة واحدة أو مليون دائرة وبصوت واحد أو بمليون صوت، شريم الكويتي ابن السلطة سيظل أشرمَ عاجزاً عن النفخ من فم السياسة، وبعض “التحف” النيابية التي نجحت في المجلس المبطل ستغير بدلها ولون جلبابها (ربما) وتعود من جديد. سيعود “فولتير” وروسو” وبقية الرموز التقدمية إلى كراسيهم، ولو بأسماء أخرى، ولا فائدة من محاولات إعادة إخراج مسرحيات تحصين الدوائر الخمس أو تبديل عدد الأصوات في دوائر جديدة، فليس في القدر الكويتي غير أهل الكويت الذين تغير وعيهم السياسي، فسُنة الحياة التغيير والتبديل، بينما تتصور السلطة أن الدولة ثابتة كالطود الراسخ، وهي قمة من القمم العربية في الديمقراطية والحريات السياسية، في حين أن الحقيقة تقرر أن قطار الديمقراطية في دول الربيع سبق الكويت بمشوار طويل، والكويت أكثر الدول الخليجية –المحافظة – الأكثر عرضة للتغيير المقبل بسبب حراكها السياسي في السنوات الماضية قبل ثورات الربيع. التقدميون، أكثر من السلطة، يصعب عليهم قبول مثل تلك المجالس المتطرفة في محافظتها وفي مزايداتها على المشاعر الدينية للكويتيين، لكن هذا لا يبرر أن نتبنى الطرح الحكومي حين تقوم الحكومة بالتشكيك في الدوائر الخمس وتتعذر بغياب العدالة في توزيع أصوات الناخبين بين الدوائر، فهنا سيُظهر التقدميون أنفسهم على أنهم مجرد أبواق “العقلانية” للحكم بالظاهر، بينما هم عملاء مستفيدون للفساد الرسمي، طبعاً هذا غير صحيح، فالكثير من التقدميين مخلصون لقضية بلدهم ولقضية الحريات العامة والخاصة، وليسوا شللاً منتفعة لـ”المناقصات، والتوزيعات الخاصة”، لكن ما باليد حيلة، فهم قلة، وسيبقون قلة في الكويت والوطن العربي لسنوات ممتدة. واليوم حين وجدوا أنفسهم في حالة حصار بين مطرقة الحكم وسندان القوى الدينية السائرة عكس حركة التاريخ، ليس من المفروض أن يحتموا بالنظام، وهذا واقع الأقليات (أياً كانت تصنيفاتها) في جُلّ الدول المتخلفة التي لم تصل بعد إلى مفهوم الدولة الأمة كواقع اجتماعي قبل أن تكون الدولة كواقع سياسي، والتي لم تنضج إلى مستوى مفهوم وحدة المواطنة، وتهميش الانتماءات الطائفية والقبلية والعرقية. السلطة تُغرق نفسها، وليس من مهمة التقدميين أن يرموا بطوق النجاة إليها متى أصرت السلطة على رفض تجرع مرارة مجالس المعارضة…. علينا أن نمد اليد إلى أصوات من القوى الدينية هي خافتة اليوم، لكنها تتكلم ولو بكثير من الحياء عن رفضها لأطروحات المتزمّتين من فصيلة الطبطبائي ومحمد هايف وأسامة مناور، ويمكن أن نجد عند الحركة الدستورية بعض الأصوات الجيدة التي تقف على يسار الحركة، كذلك الأمر حتى مع التجمع السلفي، وهناك بالطبع التكتل الشعبي، الذي مهما قَيدت قواعده الانتخابية القبلية والمحافِظة يديه وطرحه للتحديث، إلا أنه في النهاية ليس محسوباً على المتشددين الدينيين ودعاة الدولة الدينية… ليس لنا خيار آخر… ففي النهاية لا نريد للقلة التقدمية المتقلصة أن تحفر في البحر مثلها مثل الحكومة.