عرفنا أن “البدون” هم بدون جنسية، لكن ما لم نعرفه إلا مؤخراً ومن تصريح وكيلة وزارة التربية المساعدة للتعليم الخاص أن البدون في الكويت أيضاً هم “بدون تلفونات”، هذا “فنتق” جديد لم نكن ندركه من قبل، إذ إن البدون ليسوا محرومين من الجنسية فقط وإنما من “أرقام تلفونات” تمكن السلطات أن تتصل بهم!
ليس عندهم أو عندهن تلفونات أو أن أرقامهم (وهن) مسجلة بالخطأ، ليست مسألة كبيرة مادام وجود البدون كبشر ليس معترفاً به في الدولة، ويتم التعامل معهم على هذا الأساس، فحقيقة “وجودهم” محددة وفقاً للون البطاقة التي تصرفها اللجنة المركزية للبدون (اسمها طويل وممل لن أتعب نفسي في تذكره)، ويفترض أن “للبدون” رقم تلفون طالما أنه يحمل بطاقة ملونة تحدد مركزه القانوني في سلم أولويات منح الجنسية الكويتية، وبهذا الرقم التلفوني للبدون، وهو ليس رقماً مدنياً موحداً موجوداً في بطاقاتنا المدنية، يمكن الاتصال بالبدون المتفوقين والمتفوقات وتكريمهم (هن) حالهم كحال بقية الطلاب والطالبات من الكويتيين وغير الكويتيين.
لكن هذا لم يحدث حسب تصريح السيدة الوكيلة، فأرقام تلفوناتهم مسجلة “خطأ”، حسب كلام الوزارة، وبالتالي، ورغم أن البدون مع غير الكويتيين كان لهم حصة الأسد في المراكز المتفوقة، وهم أقلية، إلا أن حفل التكريم البسيط لم يشملهم ويشملهن، وأيضاً الحسرات تحرق قلوبهم، فالقبول بالجامعة الكويتية محدد جداً للبدون، وبالتالي مهما كانت درجة التفوق عالية فإن القبول بجامعة الكويت (ويا لله تزيد النعمة على أكسفورد الخليج) سيكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً، بكلام ثان ليست أبواب الجنسية فقط، وليس أبواب الرزق معها مغلقة على أكثرية البدون، بل أيضاً أبواب التحصيل العلمي العالي مغلقة أمامهم.
أسعار البترول نزلت ومعرضة للنزول أكثر مع تصاعد أزمة العالم الاقتصادية، وما أكثر ما سمعنا وقرأنا من مسؤولين وغير مسؤولين أن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار بالبشر، وهذا يعني استثمار الكفاءات البشرية وتنميتها وتشجيعها، ومنحها “امتيازات” خاصة، والعادة بالكويت أن الامتيازات الخاصة هي خاصة لأهل البلد، وهذا شيء طبيعي إن لم يمتد لحدود الدلال المفسد، لكن نعرف أيضاً أن العادة جرت على أن الامتيازات الخاصة في دول المحسوبيات والواسطات لا تمنح إلا للخاصة… ماذا لو فكرنا أن نمنح “البدون” المتفوقين والمتفوقات ليس امتيازات خاصة بهم وبهن، فهذه تم “تكييشها” منذ زمن بعيد، وإنما معاملة خاصة في القبول للدراسات الجامعية، وأن نعتبر تفوقهم بالثانوية أو في الدراسة الجامعية أو العمل بالكويت بمثابة “خدمات جليلة” تؤهلهم لكسب الجنسية (تصحبها أرقام تلفونات)، أليس هذا استثماراً بالبشر، وهو أكرم من الاتجار بالبشر.