ليس هذا وقت البحث عن ضحية يسفح دمها على أتربة الجهالة والحماقة والعنتريات الخاوية، من أجل تطهير ذنوب الجناة بعد الحكم في قضية الداو بإلزام الدولة بأكثر من ملياري دولار للشركة المدعية إعمالاً لشرط جزائي وكتعويض عن فسخ العقد. وبداية، فإن التلويح بمساءلة هاني حسين وزير النفط أو غيره من المسؤولين في النفط هو هروب مفضوح من الاعتراف بالخطأ، والتفاف على حقيقة واقعنا المزري مع حكوماتنا ومجالسنا النيابية، فقد تمت التضحية بالاقتصاد وبالعقل من أجل أهواء السياسة ومن أجل إشباع ذات عابرة للذين أرادوا حفر أسمائهم على صفحات تاريخ الدولة، فنقشوا تاريخ وفاة الدولة على قبر مستقبل أطفالنا. لا يا حكومة ولا يا حضرات النواب يا ضمائر “شعب بوسالم”، لا يا حمزة البهلوان ولا يا أبوزيد الهلالي لا تتعبوا أنفسكم وتتعبونا معاكم في الصراخ والعويل على الملياري دولار، فمليارات أكثر ضاعت وستضيع طالما ظل هذا الفكر الرخو والمتردد يهيمن على أمخاخ أعضاء حكوماتنا، وهو فكر عاجز عن المواجهة والتصدي لحماية اقتصاد الدولة وحقوق الأفراد وحرياتهم في أتفه تحديات سياسية تحدث مع مجلس الأمة، وطالما ظل نوابنا الأفاضل يهرولون في ملاعب السياسة من غير تخطيط ولا دراية بغرض تحقيق أهداف سياسية في مرمى حكام الدولة، والضحية في النهاية هو مستقبل الدولة وأحلامنا التي نسجناها على منوال مجالس حمقاء، وحكومات مثقوبة أثوابها بثقوب لا حصر لها بعثة الفساد، فتداري فضائحها بكلمات “شبيك لبيك… حكومتك بين يديك” حين يفرك علاء الدين مصباحه في مجالس الغم كلما اشتهى وكلما قرص معدته الجوع فبحث عن الوهج السياسي. موسى معرفي العضو السابق في المجلس الأعلى للبترول يقول بالحرف الواحد في لقاء مع جريدة الراي “… إن جميع أعضاء المجلس والوزراء يعلمون الشرط الجزائي للانسحاب من مشروع كي داو، وإن من يقول: لا أعرف بالشرط الجزائي كاذب، والكل شارك في القرار، وكل شيء تم عرضه على المجلس ونعلمه…”، شكراً يا سيد موسى فقد شهد شاهد من أهلها، وأشرت بأصبعك إلى جرحنا النازف، فلم البحث عن “عوير وزوير” كي يكونا طوق نجاة في بحرنا الآسن من مجاري الفساد واللامسؤولية… أنتم يا نواب الأمس ونواب اليوم مسؤولون… وأنتم في حكومة الأمس وحكومة اليوم مسؤولون…! لكن ما الجدوى إذا كانت العقول في المجلسين لا تتعلم من دروس الفشل، وما أكثرها، دروس ومحن مرت مرور الكرام، ودفعنا من مستقبلنا أكبر ضريبة دون جدوى… فهل ستتعلم حكومة اليوم كيف تقرأ… وكيف تواجه وتناقش نواب الأمة وتحسن الأداء في مرافعاتها… وإذا لم ينصت هؤلاء النواب لصوت العقل فهل تخاطب الحكومة البشر الذين انتخبوهم، وتخبرهم بكل شفافية عن كارثة مالية حدثت وكوارث ستحدث إذا بقينا نسير على هذا الطريق وعلى هذا المنزلق دوى عيون تبصر ولا عقول تتدبر…؟ يبقى أن نذكر بالخير النائب السابق ناصر الصانع، فقد قال كلمة حق في مخاطر فسخ العقد، وحذر فلم ينصت له أحد، ومَضى ناصر ومضت الحكومة والمجلس في غيهما وفسخ العقد…! فلنذكره الآن بالخير فهذا أقل ما يمكن أن نقوله له مهما اختلفنا معه في منهج الفكر… فتحية لك يا ناصر ولا عزاء لنا اليوم.