الدعوى المباشرة بعدم دستورية القوانين ليست جديدة في تاريخ المجالس النيابية، على ما أتذكر، فقد قدم مثل ذلك المشروع في مجلس ٩٢ أو ٩٦ من النائب السابق عبدالعزيز المطوع، ولم يكتب لمساعيه النجاح، والآن يتقدم النائب محمد الصقر من جديد لإحيائه بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد تدهور العمل التشريعي حين هيمنت روح العصبية والتزمت والانغلاق الحضاري على ممارسات المجلس، وأضحت مشاريع القوانين ردود فعل خرقاء تهدف إلى المزايدة على عواطف الغضب الديني للجمهور، واستثمارها على حساب العقلانية المفترضة في روح الدستور وفي القوانين بصفة عامة، ولم يكن مشروع عقوبة الإعدام للمسيء للرسول والذات الإلهية غير قطرة من محيط فوضوية التشريعات الانتقامية والمتشفية من القلة.
في الدعوى المباشرة بعدم دستورية قانون ما ليس على الفرد الواعي أن ينتظر حتى يطبق عليه هذا أو ذاك القانون اللادستوري، فيدفع بعدم دستورية القانون، ويتعين على المحكمة التي تنظر الموضوع أن توقف النظر في الدعوى، وتحيل “الدفع” للمحكمة الدستورية إذا وجدت أن هناك جدية ما في الدفع بعدم الدستورية، أيضاً دعوى عدم الدستورية كما يجري العمل الآن هي حكر على المجلس النيابي أو الحكومة، وهما بثقافتهما القانونية أبعد ما يكونان عن الدستور. هنا في دعوى الإلغاء المباشرة يتحرك الإنسان أو الجمعية أو النقابة (على حسب المشروع) الذي يرى عدم دستورية مادة ما من تلقاء نفسه وبطريق الدعوى المباشرة، وليس عليه انتظار “دورة مركب” طويلة حتى ينصفه الدستور من جور قانون ما.
بينما أكتب الآن هذا المقال خطرت ببالي نكتة “شيلمهن” العراقية عن صور صدام حسين، وكيف يمكن تجميع صوره التي كانت في كل زاوية وكل بيت في عراق صدام بعد رحيله، كصور صدام يمكن القول دون مجازفة “شيلمهن” عن تلك القوانين اللادستورية بدولة “إلا الدستور”، ويا ترى ماذا بقي لنا اليوم من دستور ٦٢ غير فتات من ورق. ليست بعض مواد قانون أمن الدولة التي تحرم نشر إشاعات في الخارج بغرض تقويض النظام الاجتماعي والسياسي… إلخ هي التي عليها علامة استفهام دستورية، أجزم بأن معظم قوانينكم غير دستورية، غير قوانين أمن الدولة فهذا تحصيل حاصل بعدم دستورية معظم موادها، لنا مثلاً في قانون المطبوعات والنشر حين صادر حرية الفكر والتعبير، وإلى كثير من المواد في قانون الجزاء والإجراءات الجزائية التي تجيز حبس المتهم أربعة أيام دون تهمة ثم ٢١ يوماً بناء على أمر النيابة وليس قاضي التحقيق (ليس له نظير في القانون الكويتي)، ولكم أن تعدوا وتحسبوا صور صدام الكثيرة في قوانين الدولة! فهل يعقل أن دولة تدعي أنها مدنية وتحتكم للدستور تحرم النظر في قوانين الجنسية والإبعاد ودور العبادة؟ وهل نتخيل أن دولة تشرع بحظر منح الجنسية لغير المسلم على ما حدث في مجلس ٨١، وكان الحظر من بركات الفكر السلفي أيامها، ولم يعترض عليه في البداية غير المرحوم جاسم الصقر؟! ليس هذا وقت عد الثقوب الكبيرة في تشريعاتنا اللادستورية، فكلمة “شيلمهن” تعني أن جمع تلك النفايات التشريعية يكاد يكون نوعاً من المستحيل، كي ننتهي اليوم “بدساتير من ورق”- تعبير الكاتب الأميركي جوناثان- لا تقدم ولا تؤخر، أكثر من ذلك يمكن أن نتصور أنه حتى دستورنا الذي يتسابق دعاة “الحرية” إلى تعديله يمكن أن نصمه باللادستورية، فحين ينص الدستور مثلاً في المادة ٣٥ “… حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب…”، العبارتان الأخيرتان تخول المشرع أن ينفي مبدأ حرية الاعتقاد تماماً، فعلى أي حرية اعتقاد يتحدث المشرع الدستوري؟ وليست كلمة عدم دستورية الدستور من عندي، بل من الثقافة القانونية في دول تحترم دساتيرها، ويكون مقياس الدستورية معايير العدالة والقانون الطبيعي، وبكل تفسير يأتي به المشرع أو المحكمة في تلك الدولة تضاف لبنة أخرى لمزيد من الضمانات الدستورية… هل تجدون في الدستور الأميركي وتعديلاته مثلاً ما يقابل نص المادة السابقة… لنترك نقد بعض مواد الدستور الكويتي إن بقي منه شيء ما، ويبقى الأمل أن يشرع النواب الدعوى المباشرة بعدم الدستورية، مقابل أن تتوطد الثقافة الدستورية الإنسانية عند رجال القانون قضاة أو محامين وعند كل مهتم بحقوق الإنسان.