حسن العيسى

يتيم البرلمان

تصويت النواب الشيعة ضد عقوبة الإعدام للمسيء للرسول أو زوجاته ليس من باب الرفض للجريمة وإنما بوعي منهم بأن مثل هذا القانون هو تهميش كامل لوجودهم، واستخفاف مطلق لتفسيرهم لبعض الحوادث التاريخية في بدايات العصر الإسلامي التي يحصد المسلمون ثمارها المرة منذ ألف وأربعمئة سنة ظلت فيها العقلانية مغيبة، وساد مكانها التفسير الديني للتاريخ بكل نزعاته ونزاع طوائفه المستوطن في العقل الباطن للشعوب العربية.
وليس هذا مهماً الآن طالما أقررنا بأن هذه الدولة بمجلسها الطائفي وحكومتها هذه تسير “تحت الساس”، لتنال رضا وبركات نسل الحجاج بن يوسف الثقفي من أعضاء المجلس، فكان يكفي أن يهدد النائب فيصل المسلم بأن عدم تصويت الحكومة مع مشروع قانون محكمة التفتيش الكويتية سيعني عدم التعاون مع المجلس، فسارعت الحكومة بلحس وعدها السابق برد القانون، ووقف وزير الأوقاف وكأنه نسي تماماً مواعظه السابقة في غرفة المحامين، حين كان محامياً يستغل كل مرة مناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليذكر زملاءه المحامين بتلك المناسبة وماذا تعني، فهذه المرة تدثر تماماً بالجلباب الديني المتناسق هذا اليوم مع بشت الوزارة، ويالله تزيد النعمة على بشوتكم غريتونا فيها جنكم صج، وأخذ يعظ وينصح بمكارم الدين وتمجيد العقوبة.
النائب محمد الصقر هو يتيم المجلس حين وقف وحيداً رافضاً تلك الثورة المضادة لتقدم التشريع وتقدم الدولة بتصويته ضد ذلك القانون المسيء للدين وللرسالة الإسلامية وللحرية الإنسانية، وهو على إيمان مطلق بأن فاتورة تجارة الدين رخيصة وتجلب بركات أصوات انتخابية مغيبة عن حقيقة واقعها، إلا أن يتيم المجلس، وهو يشرف كرسي النيابة بمجلس الاستبداد ولا يشرفه هذا الكرسي، آثر أن يقف مع قناعاته ومبادئه، فقد كان مدركاً أن العملية التشريعية لا يجوز أن تكون رد فعل على حادثة أو حوادث فردية شاذة، وأن التشريع ليس أداة انتقام من الغير والآخر، ولا يجوز أن يكون وسيلة “لتركيع” الآخرين بحجة حكم الأغلبية، فهو يعلم أن هذه فاشية جديدة غيرت ثوبها هذه المرة لتلبس العقال والدشداشة، بعد أن ركلتها أمم العالم بعد الحرب الكونية الثانية، وما تبعها من موجات الثورات الديمقراطية التي اجتاحت بقية العالم إلا عالمنا العربي الذي استبدل فاشيات بفاشية… تضحية الصقر كبيرة، فهو ان يخسر أصواتاً بائسة خير من أن يخسر نفسه… كويت اليوم في أسوأ أحوالها… رجل واحد فقط يقف رافع الرأس في برلمان الغثيان… أما هذه الحكومة التي بين “حانا ومانا” فلننسها ولنطو صفحتها جانباً.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *