مثلما تأسى غلاة اليمين للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية بتاريخهم في حادثة أطلقت شرارة الثورة الأميركية حين رمى الثوار الشاي بالبحر في ميناء بوسطن، كتعبير برفض دفع الضريبة للتاج البريطاني، رافعين شعار “لا ضرائب بدون تمثيل سياسي”، ومن ثمة استغل أقصى اليمين للحزب الجمهوري في رفضهم أي إصلاحات للنظام الصحي وغيره للرئيس أوباما تلك المناسبة التاريخية، وسموا أنفسهم “بحزب الشاي”.
من حقنا هنا أن نقترح إطلاق “حزب العشرج” على الغلاة الدينيين من الأغلبية السنية في مجلس الأمة. العشرج نبات صحراوي شديد “المرارة” استخدم نقيعة عند أهل الكويت قديماً، قبل مستوصفات البترول، لعلاج الإمساك المعوي، وكان ذلك العشرج (أو ربما الحلول) يسبب إسهالاً شديداً للمريض لا يخلو من الخطورة على صحته.
اليوم، ورغم وجود الأدوية الحديثة، يطالب “العشرجيون” الكويتيون بالوصفة العشرجية للبطن الكويتي المنتفخ بريح التخلف الفكري والاتكالية على عمل الغير، يطالب العشرجيون الحكومة بفرض وصاية الدولة ورقابتها على الحسينيات والمساجد الجعفرية، بمناسبة (وغير مناسبة) “تويت” المغرد الأهوج في تعرضه للرسول.
وبالوصفة العشرجية أيضاً نادوا بتعديل الدستور في المادة الثانية، وبعدها المادة ٧٩، كي تقف الدولة وتقسم بإشهار إسلامها! وكأن الدولة فرد يصوم ويصلي ويقيم الشعائر الدينية وليست ابتداعاً قانونياً لشخصية اعتبارية تحمل صفة السيادة على الإقليم.
يصر العشرجيون على قلب قوانين الدولة رأساً على عقب بحجة أسلمتها وفقاً لفقههم، وفي ذلك هم يطمسون حق الآخر، أياً كان، في الوجود الإنساني وممارسة حقه في التعبير وإقامة طقوسه وفق معتقداته الخاصة كما ينص دستور الدولة بخلاف قوانين الإسهال العشرجية التي شرعت في الماضي، وعلى سبيل المثال لا الحصر نتذكر شرط الإسلام لمنح الجنسية الكويتية في مجلس ٨١، ويعد لتشريعات مثله اليوم حين يواصل العشرجيون دعواتهم لفرض سيادتهم المطلقة على الدولة، أليست هذه الديمقراطية وحكم الأغلبية ومخرجات صناديق الاقتراع كما يريد إقناعنا علماء العشرج!
الحسينيات ومساجد الشيعة لا تبنيها ولا تنفق عليها الدولة، كما هو حادث مع مساجد أهل السنة، فهي تبنى وينفق عليها أبناء الطائفة الجعفرية من جيوبهم الخاصة، فبأي حق يطالب العشرجيون بفرَض الرقابة عليها، وكأنها بؤر مؤامرات لإيران وليست من صميم الهوية الكويتية وتاريخها، لينتبه العشرجيون في ما يطالبون به بإصرار وهم يهددون باستجواب وزير الأوقاف والعدل وكأنه متهم بتحريض المغرد بجريمة الإساءة للرسول، فمراهقتهم الدينية ستقود الدولة إلى فتنة طائفية لا تتحملها.
اعقلوا قليلاً وارتفعوا في أطروحاتكم لهموم اليوم وتحديات الغد، فكروا، مثلاً، في مواد الحبس الاحتياطي في قضايا الجنح في جرائم أمن الدولة الداخلي، وكم هي “دراكونية” في مضمونها، فحرق علم إيران أو علم أي دولة “غير معادية” لا يبرر حبس المتهم الهاجري ٢١ يوماً على ذمة التحقيق، ولا يصح أن تكون التشريعات أو إعمالها ردود فعل سياسية مرتجلة، وهناك غيرها من نصوص تشريعية وممارسات من السلطة التنفيذية تزايد معكم، ولدت بداية ببركتكم وبركة السلطة الحاكمة صادرت الدستور، وخنقت حقوق البشر في الوجود، وقتلت البهجة في النفوس، وطمست الفن والجمال وكل فرص الإبداع حتى صارت حياتنا صحراء جرداء، خاوية من أي معنى للثقافة، أضحت الحياة معكم مرة كالعلقم بطعم “عشرجكم”. فالدولة لا تعاني إمساكاً في أمعائها، بل هي تئن من حالة جفاف شديدة ممتدة في عقلها وروحها بسببكم. لمَ لا تدركون ذلك يا أطباء البؤس والفتن.