على مهلكم يا جماعة الكتلة، فالديمقراطية ليست كما تفهمون بعقولكم المتطرفة، فهي ليست مجرد صندوق انتخابات، والغلبة فيه تكون لمن حاز الأغلبية، وبالتالي يصبح من حق هذه الأغلبية المزعومة أن تشرع كما تشاء باعتبارها ممثلة للأمة، فليست الأمة هي أنتم وحدكم مع عاداتكم وتقاليدكم المحنطة، كما أن فهم الدين ومرامي الشرع ليست مسائل خاصة بكم وبشيوخكم حين يرمون إلى انتقاء أكثر الأفكار تشدداً وتعصباً من الفقه ويختارونها كنموذج يسيرون على هديه، متماهين مع صورة الفنان عبد الحسين عبد الرضا في محكمة الفريج حين زجر الحاضرين بمقولة “هذا الشرع واللي مو عاجبه ياكل تبن”، فالفقه في النهاية هو الفهم البشري لأحكام الشرع، وليس أمراً منزلاً من السماء، والناس لا يجوز أن تحكم علاقاتهم الاجتماعية قواعد مطلقة لا تتبدل ولا تتغير مع تبدل الزمان وتغير المكان.
لو كانت الديمقراطية التي يجب أن ينظر إليها على أنها وسيلة للرقي والمحافظة على حريات البشر وحقوقهم في المساواة والكرامة دون النظر إلى دينهم ومذاهبهم وأصولهم، وعليه فهي ليست غاية تريدون عبرها أن تعتلوا رقاب الناس وتسوسوهم كبهائم، لكان الفوهرر هتلر وحزبه النازي وكذلك موسليني وحزبه الفاشي ملوك الديمقراطية، حين قام الاثنان في استبدادهما على نظرية الحق المطلق للأكثرية بالحكم، وإطاحة القوى المعارضة وفق رؤية عنصرية تقوم على مبدأ تفوق العرق القومي، وبهذا لم تختلف أسس هذين النظامين عن فكرة الحق الإلهي المطلق للملوك في أوروبا العصر الوسيط وقبيل عصر التنوير والنهضة، وكان حكم هذين الحزبين أخطر انحرافاً للنهج الديمقراطي منذ الثورتين الأميركية والفرنسية.
الديمقراطية هي نحن، ولو كنا أقلية، وهي أولاً حكم القانون القائم على صون حريات وحقوق البشر كما استقرت أعرافها في الدول المتقدمة قبل أن تكون صندوقاً للاقتراع، وليس لكم ولا لأحد كائناً من كان أن يصادر الحريات الأساسية التي جاءت بالدستور في الباب الثالث، وقد استوحاها المشرع الدستوري من مبادئ الثورة الفرنسية “فالناس سواسية في الكرامة الإنسانية” (المادة ٢٩)، ومثل مشروع قانون الحشمة و”بربس” منع التعري وفرض الحجاب هي من وحي خيالكم، وتضرب بعرض الحائط “الكرامة الإنسانية”، وتتعارض مع ذلك النص الدستوري حين تفرضون على الخلق زيكم الموحد وكأننا في معسكر حربي أو كأننا أطفال في روضة الكويت المغمة بفضلكم وبفضل من فرضكم علينا كآباء أوصياء!
يعرف المحامي النائب أسامة مناور أن نصوصاً في قانون الجزاء تجرم “التعري” الذي يتشدق به في مشروعه مع كتلته البائسة تحت بند جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء العام، فما حاجتنا لمشروعكم الخائب ومن قال إن ممارسة الناس في طريقة لبسهم وشكلهم هي حرية تتعارض مع حريات الآخرين، كما وعظنا النائب الشيخ أسامة؟! وهل يتم التعدي عليكم أنتم “الآخرون” حين يرتدي البشر ما يخالف قناعاتكم؟! وماذا بقي في هذه الديرة غير أكوام السأم والملل والبشاعة حين سدتم على هذا المجالس التعسة؟
ثم ألا تعتقد جماعة حزب الكتلة أنهم أوقعوا زملاءهم مثل التكتل الشعبي في “حيص بيص” حين زجوا بمثل تلك المشاريع الطفولية على أجندة العمل البرلماني، وبالتالي ستتوه أولويات الأمة من أمور التنمية وإنقاذ الاقتصاد من سرطان الريع والتبديد، ومكافحة الفساد، وغيرها في عواصف الحجاب والنقاب وتعديل مواد الدستور نحو مزيد من “انتقاص” الحريات؟ هل فكرتم في ذلك أم أن أجسادكم هنا وقلوبكم مع ربيع قندهار طالبان، ويا الله تزيد النعمة على هذه الديمقراطية!