ليس بالضرورة أن أحد التابعين من وشاة إمبراطورية “الكتلة” الحاكمة بأمر العقل المنغلق قد وشى لوزارة الداخلية عن معرض شروق أمين الفني، من المتصور أن أحد التابعين لوزارة الداخلية أو الحكومة برمتها “خشت”، وتوقعت ما قد تجره عليها لوحات شروق من صداع واستجوابات من نواب اللحى المتسيدين على المجلس، فبادرت الوزارة من تلقاء ذاتها إلى إغلاق المعرض، وماذا يعني إغلاق معرض لوحات فنية بالنهاية؟! هي مجرد لوحات لا معنى لها بثقافة الصحاري الجرداء، وماذا عن الفن؟ وأي فن هذا الذي تظهر فيه رسوم سيقان نساء من دون أجساد جلست مصطفة تنتظر أمراً ما أو لا تنظر في شيء؟ ومن يكون هذا الفتى المتكئ على الأريكة في لوحة من لوحات شروق، وهو يدخن الشيشة وزجاجة الخمر عند قدمه، وهو ساهم في لحظة انشراح ووهم، وقد جنحت به أحلام اليقظة، وأحلام اليقظة غير الخيال، ليحلم بعالم من النساء يحطن به من كل مكان؟ ماذا تعني تلك اللوحة أو غيرها من لوحات قبرت في معرض شروق ودفنت من غير كلمة عزاء واحدة؟ لا يهم كل هذا… فمن يحتاج الفن في بلد الجفاف؟! وماذا يعني الرسم أو النحت أو الموسيقى وكل الفنون الإنسانية بما تشمله من إبداع حين “يتصنم” المجتمع، ويحيا بعقلية القطيع يسيسه رعاة المجلس، ومن حسن الحظ أنهم رعاة بالانتخابات، وهم من اختارتهم الأمة ليكونوا رقباء ومحتسبة على “حرية الفرد” أولاً ثم بصورة عرضية “ولزوم الشغل” يمارسون الرقابة على الحكومة؟ أما كون الديمقراطية الحقيقية في النهاية كممارسة تهدف إلى صون الحريات الفردية والإبداع الإنساني فهذا ما لا تعرفه ولن تدركه مجتمعات الفضيلة حين تهرول لتخبئ كل الأقذار تحت السجاد. في مثل هذه الدولة وما على شاكلتها ليس من حق شروق ولا غير شروق أن يفكروا بريشة الفنان أو يكتبوا بقلم الرفض، فالإبداع هنا جريمة في مدونة الحرام والعادات والتقاليد، وللذكور الرجال القوامين على الإنسان المقهور، وهم سلطة فاشية لا تحدها أي سلطة، أن يملوا ما يشاؤون على القطيع. فالتماثيل الفنية أصنام قد يعبدها البشر، والرسوم غواية قد تثير غرائز البشر، والفن بدعة تخرج عن المألوف، أوليست الفنون الجميلة وكل إبداع هي في آخر الأمر تعد خروجاً عن المألوف، وإلا ما استحقت نعت الفن؟ ضعوا أبيات الشعراء وروايات القصاصين وكلمة الرفض الحرة في زنزانات العيب والحرام والموت، ومرحى لمحاكم التفتيش.