لا أفهم العلاقة بين الفيتو الروسي ضد فرض العقوبات على سورية والبصق في الماء، فالسفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بعد أن نفى انتقاد روسيا للحكومة القطرية في دعمها للشعب السوري، عاد وحذر العرب من البصق في بئر يشربون منها. ربما السفير غير ملم ببعض البدع الاجتماعية العربية المتخلفة، ففي الكويت وربما في كثير من دولنا العربية في أيام زمان ينصحون المريض بشرب ماء من كوب بصق فيه أو نفخ عليه شيخ دين بعد أن يقرأ بعض الأدعية وهو يمعن النظر في الكوب الشافي! فهل يقصد السفير الروسي أن غالبية الدول العربية الداعية إلى إزاحة بشار يبصقون في بئرهم التي يشربون منها، فبشار هو البئر ومن يبصق فيه الآن الحركات الدينية القبائلية (القبائلية تشمل الطائفية) التي تقود ثورات العرب أو تركب أمواجها. إذا تركنا الحديث عن المصالح الروسية في استمرار النظام الرهيب في سورية جانباً، وأن روسيا لدغت من جحر ليبيا مرة حين تركت قوات الأطلسي تزيح نظام القذافي وقبله صدام، ولا تريد تلك الدولة العظمى أن تلدغ من ذات الجحر مرتين، فقد يكون لروسيا وجهة نظر بعيدة عن مستقبل الربيع العربي (السلفي)، فهي ترى اليوم ان الغرب ومن يواليه في الأنظمة العربية قد وصل إلى قناعة تقول لنتحالف مع الجماعات الدينية طالما يصلنا البترول بانتظام ويد الإرهاب الجهادي بعيدة عنا، فالشعوب العربية زهدت أنظمة قمعية لا تبصق في آبار مياه شعوبها بل تغسل خلفيتها منها بعد قضاء حاجتها الطبيعية، أما عن احتمال الحروب الأهلية وفتيلها القبليات الطائفية وعودة ميمونة لسنوات داحس والغبراء الجاهلية، فليست ذات شأن عند الغرب، فإذا كان هذا ما يريده العرب فهم وشأنهم. أما روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي فلا ترى مثل هذا الرأي، فسورية على علل نظامها المرعب تبقى القلعة الأخيرة لصمود نظام شبه علماني موغل في الاستبداد، وقلع هذا النظام بالتدخل الخارجي يعني إقامة المذابح للأقليات السورية، ففي هذا البلد يوجد 46 أقلية عرقية ودينية من علويين ومسيحيين وأرمن وأكراد وغيرهم يشكلون ثلث الشعب السوري قد يصيرون ضحية انتصار الأغلبية السنية، وأن الإطاحة بنظام بشار بالقوة الأجنبية يعني فتح جرة “وليس صندوق” بندورا للشرور في كل المنطقة دون استثناء، فسورية وليست مصر هي الحالة النموذجية للموزاييك العربي البشع في تركيباته القبلية والطائفية، والأمور لن تصل لبلقنة (من البلقان)، وإنما لصوملتها (الصومال) أو عرقنتها (العراق) او يمننتها (اليمن) والحساب مفتوح لسيادة الحروب القبائلية والمذهبية لأجل غير معلوم. المؤكد الآن أنه لا يوجد حل عسكري للمأساة السورية، فكلاشنكوفات الجيش السوري الحر لن تخترق دبابات الجيش النظامي السوري، وبقاء النظام على استبداده أيضا سيقود سورية إلى حرب أهلية ممتدة، وهذا يعني المزيد من المعاناة للشعب السوري، فهل أغلقت كل سبل الحلول الوسط السياسية! يذكر الباحث سمير خلف في كتاب لبنان في مدار العنف ناقلاً عن جيرار “… المظالم ومشاعر الغضب المتراكمة إذا لم يعمل على تهدئتها أو إزالتها تصبح عرضة للاقتصاص من جهات لا علاقة لها بالمنابع الأصلية التي انطلقت منها…” فهل نفكر قليلاً في ما قاله هذا الباحث؟!