هل «نفد» محافظ البنك المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح بجلده، واستقال قبل أن يبدأ مجلس ثوار كبد محاكمته على الإيداعات المليونية في رشاوى نواب الأمس، أم أن المحافظ كان يعلن احتجاجه ورفضه للسياسة المالية للدولة، أي سياسة اقتصاد الدكاكين، حين ارتفعت النفقات في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة تماشياً مع حكمة “ادهن سيرهم وسكتهم”!
كما أن المحافظ وهو فعلاً محافظ في السياسة النقدية وبسبب محافظته هذه فهناك من ينتقده بأنه لم ينه إعداد مشروع قانون الاستقرار المالي، وتسبب ذلك في إطالة معاناة شركات الاستثمار بعد أزمة عام 2008 المالية، وبالمناسبة بعض شركات الاستثمار وجدت في تلك الأزمة “زلقة بطيحة”، حين قامرت بأموال المستثمرين وبلعت مدخراتهم، ومع ذلك لم تتم المساءلة المدنية أو الجزائية لشركات بنات الذوات.
أياً كان سبب استقالة الشيخ المحافظ الذي قضى 26 عاماً على رأس الجهاز المركزي، وهي مدة تقارب عمر بقاء غرين سبان محافظاً للبنك المركزي في الولايات المتحدة، كان يبدو فيها شيخنا المحافظ مغلوباً على أمره، كلما ثار الحديث عن “فسفسة” أموال الدولة في شراء الولاءات السياسية تحت عشرات البنود الاستهلاكية للصغار من شعب الموظفين، أو هدر الأموال العامة في تعميم الفساد المالي بنفخ كروش الكبار بتفصيل المناقصات على مقاس خصورهم العريضة!
في أي حال كان الشيخ سالم محافظاً في عالم شيوخ غير محافظين، وكانوا مهادنين يريدون إرضاء الكل، والنتيجة أن الكثيرين رفضوا سياسة الترضيات، وكانت تجمعات ساحة الإرادة تعبيراً حياً على ذلك، فالشباب لم يطالبوا بمزيد من “الكوادر” وإنما نشدوا العدل والأمانة في إنفاق الدولة.
لا يمكننا الآن نبش صدر المحافظ المستقيل لمعرفة سبب الاستقالة الحقيقي، فغير تكهنات المعترضين عليه بأنه هرب من مواجهة مسؤوليات مستحقة عليه بسبب الإيداعات، هناك الأسباب الصريحة التي أوضحها المحافظ عن التسيب المالي للدولة وعجزه عن معالجتها بسبب أولاد عمه، وعلينا كما يقول القانونيون افتراض حسن النية، وان المحافظ كان ينفخ بقربة مقطوعة حتى وصل إلى درجة اليأس من إصلاح الحال، وأذكر هنا كلمة قيمة سمعتها من النائب السابق أحمد النفيسي في ندوة أحد المرشحين الشباب، حين قال إن الكارثة الكبرى ستحل على الكويت بعد ثماني سنوات حين يدخل سوق العمل حوالي نصف مليون من الشباب الكويتيين، ولن تكون أسعار النفط كافية لسداد الرواتب ما لم تبلغ 300 دولار للبرميل! مثل هذا الكلام الخطير كرره مئات المرات الاقتصادي جاسم السعدون وغيره، لكن هو وغيره كانوا مثل حال المحافظ اليوم ينفخون في قرب الكويت المقطوعة.
اليوم بإمكان رئيس مجلس الوزراء استغلال استقالة المحافظ ليوضح لنواب ثوار كبد المطالبين بإسقاط القروض، وإلغاء نظام فوائد البنوك، وتعديل المادة الثانية من الدستور، وإزالة الكنائس وغير ذلك من قضايا “مصيرية” حقيقة الأمر، وليفتح لهم ولنا أوراق المستقبل المالي للدولة، عل وعسى أن يدركوا أن النيابة ليست صندوق انتخابات وحكم الأكثرية بل هي قبل كل شيء حماية الحريات وضمان أموال الأجيال.