ليس بالعصي والقنابل الدخانية وخراطيم المياه والاعتقالات يمكن تأديب المتظاهرين من البدون، وقد تنجح وزارة الداخلية بقواتها الخاصة مرة ومرتين في قمعهم وإغلاق حناجرهم وكسر أقلامهم وتغريداتهم في ممارسة حقهم الأكيد بالتعبير عن أوضاعهم لبعض الوقت، ولكن ليس كل الوقت. فطالما هناك حبل متين يلف العنق الكويتي اسمه “بدون” وبلا هوية فسيظل هؤلاء شوكة في خاصرة الضمير الكويتي المخدر بصدقات وعطايا السلطة، وإذا انتصرت القوات الخاصة بتفريق مظاهرة حدثت أمس الأول مثلما نجحت تلك القوات قبلها في تشتيت المتجمعين المتظاهرين مرات سابقة “وأكدت استتباب الأمن والنظام” بقمع تجمعات البدون وغير البدون، فلا يمكن تصور غير العصا الأمنية للسلطة هي الحل الكويتي الأخير، بعد أن أصبحت هذه السلطة مقتنعة تماماً بالحلول السحرية التي قد يتفتق عنها عقل الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع غير محددي الجنسية، ولن يجد المحايد أي تصور لحل نهائي لمأساة البدون من ذلك الجهاز الحكومي غير خطاب متعال يضج بأدبيات متغطرسة مثل “منحناهم شهادات وفاة وميلاد” فماذا يريدون أكثر من ذلك؟!
السلطة عاجزة و”تتعاجز” عن حسم ملف الخمسة والثلاثين ألفاً من البدون المستحقين للجنسية حسب السجلات الرسمية للدولة، فهم سيشكلون تكلفة مالية عالية على الدولة، لأن الجنسية الكويتية بحد ذاتها هي شيك على بياض بلا تاريخ للكويتيين، ولا يريد الكثيرون الذين حررت بأسمائهم شيكات الجنسية أن يشاركهم أحد من “البدون” في الرصيد الكويتي المهدد بالنضوب، ومن هنا تكمن أزمة البدون وأزمة الهوية الكويتية كلها، فهي مواطنة تحتكر مفهوم الجنسية الثرية وتستبعد الغير من الدخول والمشاركة معها في عالم الخيرات، فهو عالم “مؤقت” ومهدد بالزوال بنضوب البترول في المستقبل، ويحفه بالحاضر مخاطر التبديد والسفه الحاليين في شراء الولاءات السياسية.
إذا تعذر تحقيق تقدم حقيقي للمستحقين للجنسية، وعددهم خمسة وثلاثون ألفاً، فماذا عن غيرهم من البدون (حقيقة أو زعماً) المتبقين، والذين تتجاوز أعدادهم السبعين ألفاً، كيف للحكومة أو المجلس القادمين أن يجدا حلاً مقبولاً ترضاه أغلبية أهل النعم من الكويتيين بمجلسهم وحكومتهم… يبدو أن الحل الأقرب للذهنية الكويتية تتجسد بترك الأمور على حالها تسير على البركة وبفلسفة “خل القرعة ترعى”، ولا عزاء للبدون.