شرطة الكويت أضحت شرطة دينية لا تختلف موضوعاً عن جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية، رجال الشرطة، لا بارك الله في حماسهم ولا في غيرتهم على الأخلاق المزعومة، أخذوا يهدرون كرامة البشر وحرياتهم دون حكم القانون، ولو كان حقيقة يوجد مثل هذا النص “الدراكوني” في قوانين القهر والتزمت لقلنا ليذهب هو ومن شرعه للجحيم.
حكايات مؤلمة نقرأها بين فترة وأخرى بالصحف تثير شغف الفضوليين وتروي نهماً جنسياً مكبوتاً في دولة الحرمان، منها ما نشر في جريدة الراي بالأمس عن توقيف دورية شرطة سيارة فجراً فيها رجل وامرأة على طريق الشاليهات، لاحظوا أن الجريمة في الخيال المريض، والتي أثارت شكوك شرطتنا الدينية، هي وجود ذكر وأنثى معاً في سيارة بطريق الشاليهات بلحظات الفجر…! الشرطة بعد أن فردت عضلاتها بدوريات الدعم ساقت “المجرمين” للتوقيف في المخفر، رغم أن الضحية “المجرمة” تحدت الشرطة بعبارة ولو جاء وزير الداخلية فلن أركب الدورية… لكن في النهاية كان النصر لجيوش الدوريات السائرة بهدي السلطة وبركة أهل التقوى، وتم فضح المرأة ومرافقها.
أين الجريمة أو الاشتباه بها في مثل تلك الحكاية المقرفة، ومثلها مئات الحكايات التي تنشر في صحفنا اليومية؟ هل وجود رجل وامرأة في سيارة بحد ذاته يشكل جريمة؟! وهل يخول مثل ذلك “الوجود” شبهة الجريمة حتى يطلب رجال الأمن البطاقات الثبوتية “للمتهمين”؟ وهل استتب الأمن في الدولة وارتفعت رايات النصر لحزب الفضيلة على ربوع الديرة بعد أن تم اصطياد هؤلاء المجرمين؟! أين حقوق البشر في خصوصياتهم، وأين أضحت كراماتهم في خرافة دولة القانون؟! ما شأنكم يا شرطة الكويت بحقيقة علاقة ذلك الرجل والمرأة؟! شقيقته أو قريبته أو زوجته أو خطيبته أو حتى عشيقته… ليس هذا من شأنكم ولا شأن من ولاكم أن تكونوا “بصاصين” ومراقبين مرعبين على حرياتنا تهدرون أبسط كراماتنا… إذا نحيتم القانون جانباً وتشبثتم بإرثكم الديني فتذكروا حكاية الفاروق عمر حين سمع أن أحدهم يشرب الخمر في منزله فتسلق عمر سور المنزل ليعرف الحقيقة، وحين واجهه المتهم، قال له الأخير إن ارتكبت أنا معصية فقد ارتكبت أنت يا أمير المؤمنين ثلاثاً… فقد قال الله ولا تجسسوا وأنت تجسست، ونهى عن التسور وأنت تسورت… إلى بقية الرواية، التي انتهت بحياء العادل عمر مما فعل وأغلق القضية… فأين أنتم من الفاروق… وأين أنتم بعد أكثر من ألف سنة من مبدأ “دو بروسس”، أي مراعاة حكم القانون في الإجراءات الجزائية؟!
قبل سنوات طويلة وفي أيامنا الجميلة التي ولت من غير رجعة في السبعينيات أخبرني صديق عن حكاية نقطة تفتيش في الشارع، وكان صديقي برفقة زوجته حين وقف عند الدورية… وبعد أن قدم صديقي رخصة قيادته سأله شرطي نقطة التفتيش عن السيدة التي كانت برفقته، وما علاقته بها… فكان رد صديقي سريعاً وحاسماً: هذه أختك.