حيرتني نائبة الحكم والأمثال التي يسجلها التاريخ الإنساني بسطور من ذهب سلوى الجسار ويا رب تحفظها من العين، فقد بصمت معها، وهللت لها حين ألقت مأثورتها العظيمة، في زمان من يوم عصيب، وبمكان اسمه برلمان التابعين، حين دوى صوتها عالياً وسط صمت الحاضرين بعبارة: “يا جماعة لا تسيسون السياسية…”!! وعم السكون والهدوء المكان، وظللت غيوم الوقار والحكمة سماء المجلس.
ماذا تقول نائبة “تسييس السياسة” اليوم! هي تدعو بضمير حي للنقاء الأخلاقي، وأن “… نضع النقاط على الحروف في شأن ما أثير عن وجود وثائق ومستندات لتحويلات مالية من جهات خارجية، ودعت إلى وضعها بيد القضاء الكويتي النزيه”، مشيرة إلى أنه بات من الواضح أن هناك من لديه علاقات مع جهات خارجية… كما جاء في جريدة السياسة عدد أمس…! ما هذه الكلمات يا سلوى فقد حفرت بها اسمك الرصين على صخور الزمن؟ نقاط، حروف، قضائية، علاقات، خارجية…!
حتى لا يتوه القارئ، فنائبة الحكم التاريخية تقصد النائبين أحمد السعدون ومسلم البراك (وربما غيرهما من نواب المعارضة) وما يثار الآن عنهما هذه الأيام في حفلات الانتقام وثارات الفساد السياسي من أنهما يقبضان من الدولة القطرية…!
أي نقاط وأي حروف تتحدث عنها نائبة “تسييس السياسة”! فمثلا لو وضعنا نقطة كما تريد سلوى على “الحاء” لأصبحت كلمة “حروف… خروف”، وخروف هي مفرد خرفان، والخرفان تتبع الراعي في أغلب الأحوال، ولو كان يجرها للمسلخ للتوسد في ما بعد منتصف موائد المرشحين ويحيط بها الرز ودعوات الصالحين بكمال الأمور…! ولنعد إلى كلمة أخرى مثل “نقاط”، فاذا أضفنا نقطة على “النون” وقبلها الألف واللام تصير النون تاء بمعنى “التقاط”، ونقول إن زيداً أو عَمراً من النواب “التقط” ورقة ملاحظة من وزير ما في جلسة للبرلمان، وإن نائباً أو نواباً “التقطوا بضعة ملايين في حساباتهم المصرفية مصدرها مجهول وسيبقى مجهولاً بحكمة الستر على الفضائح، وتلك حكمة من “عاداتنا وتقاليدنا” الاجتماعية ومن مأثوراتنا السياسية، فمثلاً إذا لاحظت عيباً أخلاقياً ما، ولو ارتفع هذا العيب والانحراف إلى مصاف الجريمة، نقول “استر على ما واجهت”، وأعتقد أن السلطة الحاكمة ستقتدي بحكمنا الاجتماعية وأعرافنا السياسية، وستستر آخر الأمر على مساكين البرلمان، كما سترت من عقود ممتدة طويلة على فساد معمم في جل مؤسسات الدولة.
ولماذا تريد سلوى زج القضاء في استعراضات الثأر السياسي للمجروحين، وما شأن القضاء بمثل هذه الإشاعات الانتقامية من السعدون والبراك. ارفعي نقطة من حرف القاف في “قضاء”، وتصير الكلمة فضاء، وهي كلمة تعني مساحة زمن بلا بداية ولا نهاية.
في آخر الأمر، كنت أود أن أعلق (وبالمناسبة زوايانا هي زوايا تعليق على أخبار، في أغلب الأوقات وليست مقالات لخلق فكر) على دعوة النائب سعدون حماد للقيادة السياسية إلى وقف التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية بعد أن فوجئ بما أثير من “تقديم رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم 200 مليون ريال إلى نائب كويتي وبالتزامن مع الاستجوابات”، لكن عدلت عن هذا بعد التفكير قليلاً في السجل السياسي لتصريحات النائب سعدون الحماد، فهي لا تستحق التعليق عليها، فالحدث التاريخي، يبدأ بمأساة ويعيد نفسه على صورة ملهاة، كما قال ماركس، ومجلس مدموغ بدمغة ماركة النائب سعدون حماد هو حدث تاريخي بذاته كان مأساة تراجيديا وسيعيد نفسه بشكل ملهاة.