أظن أن المثل المصري يقول “الفاضي يعمل قاضي”، ولو ركبنا المثل على ظهر البعير الكويتي لأصبح أغلبنا قضاة يصدرون أحكاماً بالإدانة أو البراءة بعضنا على بعض لا بحكم القانون، وإنما بحكم الفراغ السياسي والملل الاجتماعي. في حكاية العقيد النجار نائب مدير عمليات القوات الخاصة، والتي من أهم مهامها، وفق الأعراف الاستبدادية “تعقيل” المشاكسين المعارضين للسلطة وتعريفهم بحدود حرية الرأي تحت ذريعة “هيبة السلطة والقانون” حدثت واقعة هرول إعلامنا “الحر” لنشر غسيلها يوم النحر الكبير، وتم فعلاً وحسب الوقائع الإعلامية إصدار الحكم بإعدام العقيد في عمله، وإحالته على التقاعد وحجزه بأمر وزير الداخلية! رغم أنه لا توجد شكوى، بعد أن تنازلت عنها “ضحية اليخت” وقبضت ثمن التنازل مقدماً وأغلق ملف التحقيق، أو هكذا يفترض أن يسدل الستار على مسرحية ساعة فرح “وثرثرة فوق الخليج” إلا أنها انتهت بغم وحزن، بعد أن صار أهل السياسة قضاة أو طلاب ثأر من ضابط القوات الخاصة، وكأنه هو وبأوامره من ضرب المتجمعين في ديوانية النائب الحربش، وهو المسؤول الأول والأخير عن ترويع الآمنين وتخويفهم بعصا الأمن والطاعة، ولم يكن ينفذ فقط واجب “أمرك سيدي ونعم طال عمرك”…
“قضية” العقيد النجار، وهي أصلاً لم تكن قضية، بعد أن قبلت الشاكية بالقدر والنصيب وقبلت الصلح وقبضت المعلوم، أضحت قضية الآن لأن صاحبها يحمل تاجاً ونجمتين على كتفيه، ولأنه قاد عملية الضرب واعتقال د. الوسمي بصورة مهينة في ديوان الحربش! ماذا لو لم يكن ضابطاً يحمل النسر والنجمتين على كتفيه، وكان مواطناً عادياً قدمت بحقه شكوى ضرب وأذى بسيط (أو بليغ) وتم التنازل عن الشكوى أو سحبها حسب القانون، وهو، بالمناسبة، القانون ذاته الذي نسميه أحياناً بالدستور وأحياناً بقانون الجزاء ومنه قانون المرور وقانون جرائم الرشوة واستغلال النفوذ وإلى آخره من قوانين “بيض الصعو” التي نسمع بها ولا نراها إلا أحياناً نادرة حسب مركز الضحية (مثل الدولة وهي مع أجيالنا القادمة ضحايا بيت العز وغير مهمين) أو مركز المتهم الاجتماعي أو السياسي! ماذا لو كان مواطناً بسيطاً هل كنا نتصور أن تحدث مثل تلك “القضية”…! قد نقول بسذاجة إنه لا يمكن أن تصبح قضية، أو قد نقول بسذاجة أكبر إنها قد تصير قضية وقضايا يطرب لها العازفون في فرق الكدر الدائمة على المسرح الكويتي البائس.
ماذا “لو”، سؤال لا يعرفه التاريخ، لأنه حدث وانتهى في الكويت، فاذرفوا دموع الأسى بحرارة على حالكم وقوانينكم.