مادامت الحكومة فتحت صندوق الكوادر والمزايا للموظف العام قبل سنة تقريباً وقضت على كل الحوافز للعمل في القطاع الخاص، فعليها أن تعدل وتنصف في توزيع عطاياها، ولا تميز فئات دون أخرى على حساب العدالة، فحسب جدول الرواتب والأجور الذي نشرته "القبس"، نجد أن فئة العاملين في الجمارك والموانئ مظلومة في بند الرواتب إذا ما قورنت بغيرها من الفئات المتكدسة في القطاع العام دون إنتاج وعمل حقيقيين، وإذا كان إضراب موظفي الجمارك قد هز الدولة وآلمها، فالأولى أن تفتح الحكومة صدرها لهؤلاء وتحاورهم علها تصل إلى حلول وسط تنصف أوضاعهم، ويتم في آن واحد تحقيق المصلحة العامة للدولة ولا تختنق جراء الإضراب.
حاول البيان الحكومي حول إضراب موظفي الموانئ أن يمسك العصا من منتصفها، إلا أنه صار مثل الغراب الذي حاول ان يتعلم مشي الحمامة فلم يتعلمها ونسي مشيته، فبيان مجلس الوزراء تغيا سياسة العصا والجزرة وضيع الاثنتين معا، فالبيان يتكلم بصوت غليظ أنه لن يرضخ لأي مطالب في "ظل استمرار الإضرابات أو الامتناع عن العمل والتهديد بها"، وكلف وزير الداخلية لسد مكان المضربين بإحلال الشرطة والحرس الوطني والجيش وهذه عصا المجلس التي تتناقض مع مبدأ حق الإضراب، ثم عاد البيان الحكومي وبالفقرة ذاتها مناديا بفتح "… القنوات القانونية والحوار الهادئ الذي يحقق العدالة والانصاف…"! المضربون يقولون إنهم لم يضربوا إلّا بعد أن أصابهم اليأس من "الحوار الهادئ"، وإن الأذن الحكومية كانت معهم طرشاء، ولم تكن كذلك مع غيرهم الذين أخذوا حقهم وأكثر من حقهم بالإضراب. أين العدل والإنصاف هنا؟! وكذلك أين العدل للعاملين في الإطفاء، وهم مظلومون في رواتبهم. أين العدالة والإنصاف في مهن أخرى تم تناسيها (ربما لأن أكثر العاملين فيها غير كويتيين) كالعاملين في الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وعمال الإسعاف! وهل هناك عدل عندما يكون راتب مدرس في مدرسة أكثر من راتب طبيب قضى أكثر من سبع سنوات دراسية مضنية؟!
وزير الخارجية الشيخ محمد صباح السالم كان موفقاً تماماً حين وصف الإضرابات بأنها "… تعبر عن شيء ما، ويجب معالجة الأسباب لا الظواهر…" ما هذا "الشيء ما" غير غياب العدالة وتفشي الفساد وأن الدولة تسير على البركة.