لنقل إن الناس على دين حكوماتهم ومتنفذيهم ولا أكثر، والمقصود بالدين هنا ليس المعتقد الروحي والإيماني وإنما المسلك والمنهج والطباع، وبكلام ثان، نقول بألا نأمر بالمعروف وننسى أنفسنا، وبكلام ثالث، نخاطب أهل الخير مرددين: بألا ننهى عن طبع ونأتي مثله (أهكذا يقولها العرب أم ماذا)، وأصل الحكاية تبدأ بمشوار قطار الكوادر المالية، الذي نقل وعبر كل محطات العمل واللاعمل في دولة «عطني وسكتني» الكويتية، وحين وصل إلى محطة المعلمين توقف وتصلب في مكانه! لماذا قطار الترضيات والتبديدات يعبر كل محطات الاستهلاك الأخرق ويمد الجالسين فيها بكل خيرات ديرة «يا رب لا تغير علينا» و»يتنحر» عند المدرسين ومربي الأجيال!
تعالوا نقرأ بعض العناوين في صحافتنا عندما تحشر نفسها، وتحاول أن توازن بين المعقول والمنقول. المعقول الاقتصادي، هو أن تتوقف الدولة عن المزيد من التبديد المالي، فالميزانية «المجنونة» (اصطلاح النائب عدنان عبدالصمد) زادت هذه السنة بنسبة أكثر من ١١ في المئة عن السنة الماضية وأرقامها صارت فلكية، وكي تسير أمور الدولة يجب ألا تقل أسعار برميل النفط عن تسعين دولاراً أو خمسة وثمانين كما بح صوت «الشال» دون أن يسمع أحد في حواري «الطرشان» بالمجلس النيابي التابع وعند الحكومة المتبوعة التي يسير معظم أهل الكويت على دينها. في التقرير الاقتصادي للزميل محمد البغلي بجريدة الجريدة كتب بالخط العريض آخر الشهر الماضي «من مشروع توزيع الثروة إلى مشروع تدمير الدولة: كوادر وبدلات بلا رؤية…»؛ يبدو أنه خطاب «المعقول» في بلد اللامعقول، لكن الرد جاء سريعاً من المشاركين في ندوة للتجمع الشعبي ونقلتها «القبس» أيضاً بالخط العريض أمس بعبارة مثيرة «… مطلوب كادر للحرامية ليمرروا كادر المعلمين»… وهذا هو «المنقول» عن السيرة المتواترة بسلوك الحكومات الكويتية المتعاقبة في سياسة ممارسة الترضيات كي يخرس الناس عن السرقات، وهذا هو النهج الذي سارت عليه المجالس النيابية المتناسخة من بداية «سنة» إسقاط فواتير الكهرباء والماء حتى اليوم.
المعلمون في الدولة لهم حجتهم، وهي الدعوة إلى العدل، والعدل دائماً هو الإنصاف، فكما أنصفت أو لم تنصف الحكومة معظم البشر في الدولة بكوادر وزيادات ليس لها أي مبرر غير تسكيت النواب وتخدير وعي الناس عن مستقبل أولادهم المجهول في السنوات العجاف القادمة، فمن الواجب أيضاً أن تنصف الحكومة المعلمين اليوم، وتتم مساواتهم بالآخرين، أما الكلام عن الاستهلاك وتبديد ثروة البلاد في بند الرواتب والأجور فهذا كلام مستهلك «ومأخوذة زبدته»، يعني هل نسينا البلايين التي أهدرت بالأمس وتهدر الآن من غير رقيب تحت بنود احتكار المقاولات وتفصيل المناقصات على مقاس المؤلفة قلوبهم وكله يدخل تحت باب الفساد الكبير، فيأتي الدور اليوم على المعلمين و»تتحنبل» عليهم الحكومة…! وهل يعد ذلك عدلاً؟ لماذا؟ لا أعلم الجواب لكني أعرف أن الناس على دين حكوماتهم وكفى.