صراعات القصر ليست مسألة جديدة على التاريخ الكويتي بصفة خاصة، وعلى تاريخ الحكم الملكي بصفة عامة، قبل أن تعرف هذه الأنظمة مبدأ الملكية الدستورية، فشغف الاستئثار بالحكم وتنحية المنافسين المرشحين للخلافة عبر المكيدة والحيلة أو من خلال انقلابات دموية، كلها مسائل يضج بها تاريخ الملوك والأمراء. في التاريخ القريب كانت هناك خلافات وصراعات بين أفراد الأسرة الحاكمة على منصب الإمارة، فلم يكن سراً التنافس بين المرحومين الشيخ جابر العلي والأمير الراحل جابر الأحمد حتى قبل أن يتولى الأخير منصب الإمارة، وبعدها، وحتى اللحظات الحرجة قبل تولي المرحوم الشيخ سعد منصب ولاية العهد، وقبل هذا التاريخ وقبل العصر الذهبي للدولة مع عبدالله السالم وأثناء حياته كانت هناك خلافات بين أفراد الأسرة بشأن مَن سيكون الرجل الثاني والثالث على سلم الحكم بالدولة.
بعد العمل بالدستور وقانون توارث الإمارة يفترض (والافتراض لا يطابق الحقائق التاريخية) أن تنتهي الدولة من صراعات الطامحين إلى منصب الرجل الثاني أو الثالث في أولويات القادمين إلى الحكم، لكن هذا لم يحدث، وليس لأحد أن يحاكم التاريخ، وإنما لنا كل الحق اليوم أن نطالب بوقف هذا العبث السياسي في صراعات القصر، فليست الكويت اليوم هي كويت الأمس وما قبله، والتحديات التي تواجه الدولة الآن ليست كما كانت بالأمس، والمنطقة العربية تعيش فوق بركان يغلي بتغيرات في أنظمة الحكم، وحطمت شعوب المنطقة حاجز الخوف الذي حال دون تغيير الأنظمة القمعية، وعلى النظام الذكي الذي يريد إطالة عمره أن يقرأ التغيرات ويستوعبها كي يتواءم معها، وإلا فنهايته ونهاية الدولة مسألة محسومة، فاحتمال «صوملة» اليمن و»بلقنة» ليبيا ليست بالمسائل البعيدة، والقادم في دول أخرى مثل سورية أمره مجهول وفي علم الغيب السياسي. في الكويت لولا الدستور ووجود نظام شبه ديمقراطي لما اختلفت أمورنا عن الغير، ومن يتصور في الدول البترولية الثرية أن سياسة العطاء المالي ورشوة الشعوب، ومن يمثلها في برلمانات الأتباع من دون حساب غير حساب إفلاس المستقبل، ستضمن له البقاء فهو واهم.
بعد جلسة أمس الأول، على المتشدقين بوحدة مواقف الأسرة الحاكمة أن يكفوا عن هذا الابتذال الخطابي، فقد رأينا كيف يدار صراع الاستجوابات بالوكالة عبر نواب الأمة ووكلاء الشيوخ. فكان هناك شيخ يستجوب وآخر يستجوب ضده من ابن عمه وقريبه أو يتملص من مشروع استجوابه عبر الوكلاء أيضاً، فهل انتهت تحديات وجود الدولة ومستقبلها الآن لنتفرغ لمشاهدة مسرحيات شكسبيرية عن صراعات القصر؟! ارحموا مستقبل البلد فالتاريخ لا يرحم أبداً.