لأن في الكويت «شبه» ديمقراطية، فشيوخنا كانوا ومازالوا يمسكون بمفاصل السلطة، ودستور الدولة رغم نصه على عبارة أن الأمة مصدر السلطات فإن حقيقة الواقع والممارسة لا تتطابق مع المعيار الدستوري السابق، ومع ذلك يبقى هذا «التشبه» الديمقراطي الكويتي سبباً يمنع رياح الثورات وحركات التغيير التي تجتاح المنطقة العربية من قلع أعمدة الخيمة الكويتية.
لكن انتبهوا فهذه حقيقة «نسبية» ومتغيرة ولا يجوز الركون إليها إلى ما شاء الله؛ فإذا لم تبادر السلطة وتشرع في إصلاحات مستحقة في النظام السياسي فلن نكون في الكويت أشطر من غيرنا، وسيحدث لنا ما حدث وسيحدث «للأشقاء» العرب، ولن تنفع عندئذ ناقلات النفط العملاقة، وهي الطوق الذي تتشبث به سياسة الدولة عبر الهبات والعطايا وصرر الدراهم من الغرق في الأمواج الهائجة للمنطقة العربية.
المبادرة بالإصلاح واستباق الحدث قبل أن ينزل «الفاس بالراس» يجب أن تكون أول هموم السلطة إذا كانت تعي معنى التغيير وسنن التبديل.
لماذا تنتظر السلطة في النهاية من سيملي عليها أشخاص القيادات السياسية، وما ذنب الدولة ومستقبل أبنائها أن تبقى رهينة صراعات أسرة الحكم وتوافقهم من عدمه في إدارة شؤون الدولة، ومن يدفع تكلفة خلافات القصر التي تصرف فيها الأموال الطائلة لشراء الولاءات وتكريس المحسوبيات وننتهي برجال سياسة لهم أسعارهم المعروفة في سوق العملات الكويتية. نقمة البترول اليوم في الإفساد السياسي أكبر من نعمته، فهل الكويت في حاجة إلى ذلك، وكم أنفقت السلطة وكم ستصرف من أجل تخدير الوعي السياسي للناس وإغراقهم في نهم الاستهلاك واللحظة الحاضرة كي يرددوا أخيراً الجملة الأثيرة التي يهوى سماعها أهل الحل والعقد وهي «الحمد لله مو ناقصنا شي»!
لتشرع السلطة الآن في الانقلاب على فوضى التبديد المالي بمشاريع التنفيع على المؤلفة قلوبهم، وتتوقف عن عد الشعب كله على أنه حفنة من «الكوادر» ولكل كادر مستحقاته الخاصة! ماذا تنتظر السلطة بشقيها التشريعي والتنفيذي «المؤقت» لقلع القوانين الجائرة وغير المعقولة من جذورها بداية من قانون المطبوعات والنشر إلى حظر القضاء النظر في مسائل الجنسية والإبعاد، ثم التشريعات الميتة مثل محاربة الفساد وجرائم الرشوة والتربح من المال العام واستغلال السلطة، وكلها نصوص من ورق لا حظ لها من التطبيق إلا على من رحم ربي في حزب التعساء… ماذا تنتظر السلطة لتشرع الأحزاب وتشكل الحكومات من حزب الأغلبية البرلمانية بدل التشكيلات المزاجية للوزارات المتعاقبة والتي تقع تحت بند «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر»؟
نحتفل هذه الأيام بالذكرى الخمسين للاستقلال وبعد سنة سنحتفي باليوبيل الذهبي للدستور، فكم خطوة خطتها الدولة إلى الأمام؟ وكم قفزة كبيرة قفزتها إلى الخلف كل تلك السنوات الماضية؟ الإجابة عندكم أنتم أهل الذكر السياسي وحصفاء هذا الزمن الأغبر.
كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة