كتبت مقالاً أمس الأول بعنوان «سكتوا والله يرحم والديكم» ولم أكن أتصور أن حكومتنا بهذه الدرجة من الخفة، فقد أثبتت بجلاء أنها ريشة بمهب الريح، فكانت حكيمة وواعية في قرارها السابق وأرسلت إلى البحرين بعثة طبية من أطباء وممرضين وممرضات وأدوية بدلاً من الضباط والجنود وطلقات الرصاص، إلّا أن البعثة عادت بسرعة ولم نسمع توضيحاً لذلك، لا من حكومة البحرين ولا من حكومة «الريش» الكويتية! ثم فجأة ومن جديد وبعد أن هدد نواب تورا بورا رئيس الحكومة بالاستجواب، وكذلك بعد إعلان الموقف المشرف للتكتل الشعبي برفض إدراج بند عدم إرسال العساكر إلى البحرين كما طلب النائب خالد السلطان في محاور استجوابهم القادم لرئيس الحكومة، قررت حكومة الريش بحركة كوميدية مباغتة إرسال قوة عسكرية بحرية إلى البحرين! أدرك أنها (قوة الحداقة) لن تقدم ولن تؤخر في أحداث البحرين، وربما كان إرسال الطراد العسكري الكويتي إلى الشواطئ البحرينية إن لم يكن بغرض التزحلق «سيكينج» للسابحين هناك فقد يكون عملاً رمزياً (ربما) أو يهدف إلى ترويع الأساطيل الإيرانية! لا يهم الآن نبش صدر الحكومة لمعرفة حقيقة الهدف الباعث لإرسال أسطول «الحداقة» إلى البحرين، فالبحرين ليست في حاجة بأي حال إلى قواتنا العسكرية، ما يهم حقيقة هذا التردد وتلك الخفة في قرارات حكومة الريش التي غرقت في شبر ماء.
المسألة تخصنا هنا بالكويت، وليست هي قضية إرسال عساكر من عدمه إلى دولة من دول التعاون حسب تفاهمات «درع الجزيرة» المسألة تخصنا الآن لأنها تصب الزيت على النار، فكثيرون في مجتمعنا الكويتي يتسلحون بالهوية الطائفية أو القبلية، ويتلمسون أي مناسبة لفزعات العصبيات، وكانت مظاهرات الشعب البحريني فرصة ذهبية لهذه الجماعات لتصفية حساباتهم وكشف كراهيتهم وعنصريتهم للآخرين. الآخرون طبعاً ليسوا غير «شيعة» الكويت فهؤلاء الشيعة الذين رفعوا رقابهم قليلاً ليروا ويتحدثوا عبر نافذة الإعلام الحر عما يجري في البحرين يجب عدهم عند أمراء أهل السنة والجماعة على أنهم خارجون على الملة، وهم مخالب للقط الإيراني وأطماعه في دول الخليج. وأيا كانت حقيقة المواقف الإيرانية فإن العواطف المذهبية هنا غيبت الرؤية الحقيقية الواعية لكل ما يجري في المنطقة. وطبعاً سنجد ردود الفعل الطبيعية عند الشيعة الكويتيين بعد أن تم حشرهم في زاوية «إن لم تكن معي فأنت ضدي» و»إذا كنت لا تؤيد إرسال قوات إلى البحرين… فأنت غير وطني، وربما عميل».
وهكذا بثت في الأجواء فيروسات العنصرية المذهبية والابتزازات الفجة والطعن في وطنية وانتماءات الغير… ويبدأ معها العد التنازلي لتفجير المجتمع الكويتي من جوفه ومن أعماق الأصولية التي ليست في مجملها غير ضحالة فكرية وجهالة إنسانية.
في مثل تلك الظروف كان يفترض أن تظهر الحكومة صرامة في مواقفها السياسية وتحسم أمورها حين يكون الحديث عن الوحدة الوطنية، وذلك برفض أي ابتزازات من بعض النواب أو الدعاة على كلا الجانبين السني والشيعي، والجانب الأول (السني الأصولي) له حصة الأسد في المراهقة السياسية والتكسب من صولات وجولات العصبية المذهبية… لكن للأسف لم تستقر الحكومة على حال، وتأرجحت قراراتها بالصعود والنزول حسب نفخات وليد الطبطبائي ومحمد هايف وبقية الجوقة على الجمر الطائفي… أليست هذه حكومة الريش أم ماذا تكون…؟