وزارات الداخلية في دول التخلف المتسلطة، والكويت ليست استثناء وإن اختلفت الدرجة، هي سيف النظام للدفاع عنه والحفاظ على هيبته، والهيبة هنا بمعنى الخوف والترويع «للرعية»، وعلى ذلك فليس من مهام تلك الوزارات المخيفة تطبيق حكم القانون، وليس من شأنها بصفة أساسية كفالة حقوق الأفراد وحماية كراماتهم، وإن حدث هذا فإنه يكون على سبيل الاستثناء، والقاعدة هي حفظ النظام ورجال النظام الذين وفرت لهم السلطة حصانة وضمانات على غير مقتضى القانون، فهم فوق القانون وفوق الشبهات، ولأجل هذا، فالعائلة الحاكمة يجب أن يكون لها نصيب الأسد في مراكز الوزارة وقياداتها، فمن غير المعقول في منطق النظام أن يوكل مسألة أمنه إلى غير أبنائه، فهم دون غيرهم أهل الثقة لأمن النظام، وهم ولا أحد سواهم يجب أن يكونوا في المراكز العليا للوزارة. ولأنهم من أبناء الأسرة الحاكمة فالسيادة تمتد من الدولة، وهي الكائن المعنوي الوحيد الذي له صفة السيادة بالمعنى القانوني، لتشمل أفراد أسرة الحكم، ومن هؤلاء الأفراد تتمدد السلطة إلى المقربين والذين يدورون في فلك أصحاب الأمر والنهي.
فهل كان من حق أي مشتبه فيه مثل القتيل محمد المطيري أن يسأل «الأشاوس» الذين هجموا عليه في مكانه إن كان عندهم أمر بالضبط والتفتيش؟ وإذا كانت «روشتة» الضبط والتفتيش جاهزة مقدماً في جيوبهم، فهل كان من حقه «نظرياً» أن يتساءل على أي أساس وعلى أي سند من حكم القانون تم الحصول عليها، غير عبارات «بناء على تحرياتنا الخاصة وعلى مصادرنا السرية»!، والله وحده العالم كيف تتم تحرياتهم الخاصة، ومن تكون «مصادرهم» السرية، وكيف يمكن الفصل بين الكشف عن الجريمة وبين خلقها ولصقها برقبة من يريدون الفتك به…!! وحين سارعت سيارة المباحث برجالها المدججين بالسلاح وأدوات الإرهاب مع الضحية والضحايا فهل كنا نتخيل ونتوهم أنه بإمكان رجل شرطة عادي توقيف هؤلاء «السوبر» أمن لأي سبب وسؤالهم، أين يتجهون وماذا يفعلون «بالجسد» الآدمي المرمى عند أقدامهم…؟ الإجابة قطعاً نافية ومستنكرة، فهم «العين الساهرة» على الأمن، والعين الساهرة هي فوق المساءلة لأنها هي القانون، ويصح لتلك الشاكلة السيئة من رجال القانون ما لا يصح لغيرهم، من كيل الصفعات والبصق على الوجوه إلى حشر «هوزات» التعذيب في مؤخرات الضحايا.
اللواء عبدالحميد العوضي علق بأن المباحث الجنائية بحاجة إلى غربلة…! بس …! بس المباحث الجنائية وحدها التي تحتاج إلى غربلة… ماذا عن قيادات في الوزارة أغمضت العين عن الاعتداء على اللواء كامل العوضي، وألغت عقوبة الحبس عن الجاني لتحل مكانها خدمة المجتمع…! «خوش خدمة» وماذا عن متهمين في قضايا الرأي وحرية الضمير مثل محمد الجاسم والدكتور الوسمي، لماذا لم تتم معاملتهما بالنهج المتسامح ذاته؟… وماذا عن تعيين شقيق النائب سعدون حماد مختاراً والنائب الفاضل عضو في لجنة المجلس للتحقيق في جريمة قتل محمد المطيري، أليس هذا عيباً كبيراً؟… ماذا عن تراخيص قيادات السيارات التي لها سعر معروف في أسواق الفساد، ماذا عن «التكاسي» الجوالة ومن الكفلاء لها… ماذا عن تجار الإقامات… ماذا عن آلاف القضايا الشائكة في وزارتكم منذ سنين «الطواعين»…؟!
ليست إدارة المباحث وحدها من تحتاج إلى غربلة… الوزارة كلها دون استثناء تحتاج إلى غربلة… وليس هذا كفاية فالدولة كلها بحاجة إلى غربلة… وحتى تأتي لحظة «الغربلة» الموعودة سنظل نحن «متغربلين» بحرياتنا وكراماتنا معكم.