لا جديد غير شريط أولياء الدين والعادات والتقاليد، يعيدون ترديده مرة ثانية وثالثة… وألف مرة، من دون ملل ولا تعب، ولا يتركون للبشر حتى فسحة صغيرة يتنفّسون منها، يستلذّون تماماً في جَلْدِنا بالملل وتفاهة قضاياهم الكبرى حين يتدخلون في أدقِّ خصوصيات الناس، يحشرون أنوفهم في أبسط حقوق خلق الله، ويصدرون أحكام الإدانة الاجتماعية من غير سماع أقوال المتهمين المبتلين بهم. صاروا قضاةً من دون قانون ولا عدالة، فهم ليسوا مشرّعين فقط، بل قضاة وفقهاء وعلماء دين وأساتذة في علوم الاجتماع، وهم الآباء الأوصياء علينا نحن القُصَّر المشمولين برعايتهم وعصيّهم حين ترتفع إلى الأعلى وتهوي على ظهورنا من دون رحمة، فهم وسطاء الرحمة وهم من لديهم مفاتيح أبواب الحلال والحرام، الجائز وغير الجائز، هم "لويس الرابع عشر" بعباءة التقوى الدينية والتزمّت الاجتماعي، فهم الدولة والدولة هي هم.
خبر بسيط فتح شهية الأولياء من بعض نواب الأمة ليلتهموا منه قضيتهم "وحقوق" الولاية التعيسة المفروضة علينا…!
تم "ضبط" عسكري وعسكرية في وضع "مثير" بسيارة مظلّلة النوافذ بأكثر من ظلال هذه الثقافة التي ننهل منها، وركض النائب محمد هايف معايراً وزارة الداخلية وشامِتاً بها ومذكِّراً إياها بنصائحه وتحذيراته السابقة بعدم التزام الشرطة النسائية "أصول اللباس الشرعي"! والود وده وود غيره من جماعته أن يقول لهذه الوزارة وبقية مؤسسات الدولة: لماذا تعمل النساء أساساً؟ ولِمَ لا "يقرن في بيوتهم" يجتررن عطالة الفكر وبطالة الفراغ وينتظرن الرجال القوامين عليهن للقيام بالواجب المفروض؟ هل اللباس العسكري "للمتهمَين"، وهما متهمان قبل حكم القانون، يعد سبباً قاطعاً لتحصينهما من الخطأ أو "الخطيئة" كما يريد حضرة النائب؟ فهل سمعتَ دفاعهما؟ وهل عرفتَ ظروفهما، وهل قطعتَ بحكم الإدانة وفضح خلق الله من غير داعٍ…؟
ماذا تركتَ لهما يا حضرة النائب من دفاع وبيان حقيقة ما حدث، وهل ستستقيم أخلاق المجتمع من جريرة "العصاة" حين مسكت أبواق الفضائح تنفخ بها لهيباً حارقاً على الأفراد بعدما حدث…؟ وهل سيصير مجتمعنا هو الكامل وجمهورية أفلاطون الفاضلة حين تقلبه إلى قندهار ثانية…؟
الأبطال الأولياء هنا في "جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء العام"، هم ذواتهم الأبطال في رغاء ياسر حبيب ونبشه تاريخ الفتن! نسي أبطالنا أن الدولة الكويتية لم تعد هي الدولة سابقاً قبل "تحرير" العراق وقبل قيام الثورة الإيرانية، كانت الكويت تعيش "قليلاً" من التسامح الاجتماعي، وقليلاً من التسامح الديني، لكنها لم تعرف في تاريخها -على عكس ما يتصور الحالمون بالماضي "الليبرالي"- متسامحةً في أساسها… لكن اليوم وببركات الأولياء ومفسّري الأحلام ومروّجي حبة البركة ونجوم حلقات الوعظ الديني في تلفزيونات الإعلانات الفجة وأسواق الاستهلاك، أضحت على شفا الهاوية الطائفية، وقرب بداية الحروب الدينية، بعد أن كُرِّست ثقافة عنوانها الكبير "نحن وحدنا أصحاب الحقيقة المطلقة، ونحن وحدنا الناجون من النار والبقية في جهنم وبئس المصير…".
ليتكم قرأتم تاريخ "الحروب الدينية" أو حرب المئة عام في أوروبا العصور الوسطى، وهي حرب القوميات المتشظّية والعصبيات الدينية بعد ظهور مارتن لوثر ونشر البروتستانتية في أوروبا.
ليتكم تتابعون ما جرى ويجري في العراق وقبله في لبنان واليمن وباكستان والصومال… هل سنتحول إلى صومال جديد أم يمن تعيس…؟ ارحمونا يا ناس وارحموا هذا الوطن… وكلمة شكر أقولها لرئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمة، فقد كانا أكثر وعياً وأكثر حصافةً وإدراكاً لحكم القانون من نواب الأمة في تصريحاتهم بدعوات سحب الجنسية عن ياسر حبيب… ركدوا أنفسكم وركدوا ناخبيكم، فلستم وحدكم الدولة ولستم وحدكم الكويت.