نحن مخاطبون بحكم القانون الوضعي لا بحكم الشريعة الإسلامية، القانون يعني هنا التشريع المدني أو التجاري إلى بقية القوانين الصادرة من سلطة التشريع، حتى قانون الأحوال الشخصية يعد، في هذا المقام، قانوناً وضعياً ولو كان أساسه الفقه الإسلامي ما دام نفاذه متوقفاً على الإرادة التشريعية، وإذا كانت المادة الثانية من الدستور تنص على أن "دين الدولة الإسلام، والشريعة مصدر رئيسي للتشريع" فلا يعني هذا أن الشريعة الإسلامية هي القانون الحاكم، وإنما هي مصدر من "مصادر" التشريع. على ذلك، فالحكم الصادر من المحكمة الكلية برفض الفوائد البنكية هو اجتهاد خاطئ من المحكمة حين طرحت حكم القانون جانباً وأعملت حكم الشرع أو اجتهاد البعض في حكم الشرع.
وليس هناك من مشكلة، فالبنك يمكن له أن يستأنف الحكم، وبالتأكيد فإن ذلك الحكم سيُلغى أمام المحكمة الأعلى درجة، هنا تحسم القضية أمام المحاكم ذاتها ولا أحد يخشى في هذه الحالة على حقه، لكن حين نترك القضايا والمحاكم ونتجه إلى مجمل أوضاع الدولة تحت وطأة حمَّى المزايدة الدينية ويتصور البعض أنه لا مكان للقوانين الوضعية وأن "فهم" الفقهاء للشرع هو ما يجب أن يحكم الدولة، وأن قوانين الدولة تخالف الدين الإسلامي، كما "يفهمونه" فهنا تكمن الكارثة التي لا تعني سوى حرق الدستور من أول حرف من نصوصه إلى آخر حرف ونسف النظام القانوني للدولة كله.