منذ بداية التسعينات، ومع بدء انحسار تأثيرات انهيار سوق الأوراق المالية وتحرر الدولة من الاحتلال وما تبع ذلك من زيادة دخل الدولة من النفط، ظهرت موجة من المطالبات النيابية والصحفية الهادئة، والخجولة أحيانا، التي تدعو إلى ضرورة تمتع كل فئات الشعب بثروة البلاد.. نقدا!! وكانت منطلقات هذه المطالبات تتركز بشكل رئيسي، وحذر غالبا، على ضرورة الاستمتاع بمباهج الحياة، أي ثروة الدولة، قبل فنائها، لأن هناك، داخليا وخارجيا، من يتربص بها. وكانت المطالبات تركز، وأيضا بحذر، على أن فئة من مواطني الداخل ‘استولوا’ في السنوات السابقة على جميع الأراضي والعقارات الجيدة والوكالات التجارية وأسهم الشركات، ولم يتبق للآخرين سوى الفتات، ومن الضروري بالتالي قيام الدولة بفتح خزائنها بين الفترة والأخرى وتوزيع ما يجود به الشيوخ عليهم من ثروات الدولة!! زادت وتيرة هذه النغمة في الفترة الأخيرة وأصبحت مطالبات المشاركة ‘النقدية’ في ثروات الدولة تقال من قبل نواب وغيرهم علنا ومن دون حذر أو خجل أو تردد، بعد أن أصبح هؤلاء يعتقدون أن حقهم ‘المباشر’ في ثروة الدولة كحق ذلك السيد في خمس جده!! لم تأت هذه المطالبات من فراغ، ولا يمكن القول إنها غير عادلة أو إنها تخلو من المنطق. فما نراه حولنا من نهب ‘نيابي’ منظم وفوضى إدارية وتسيب أمني وفساد سياسي شجع، ليس فقط ذلك الذي اعتاد الاستفادة حتى الثمالة من الماء والكلأ متى ما وجده، من دون التفكير في ما سيأكله أو يشربه في غده، بل وأقنع وشجع أيضا أولئك الذين سبق وان جابوا الموانئ والأمصار بحثا عن الفرص التجارية، والذين كانوا من المؤمنين بضرورة توفير القرش الأبيض لليوم الأسود! وهكذا تحول الشعب بغالبيته، أو يكاد، إلى قطيع من البشر الذي يحلم ليلا ونهارا بكيفية إيجاد مطرح مناسب له أمام ضرع الدولة ليمتص منه أكبر قدر ممكن، قبل جفافه!! وتوقف التفكير العقلاني عند الجميع تقريبا في جدوى استثمار فوائض الدولة بالطرق المناسبة، أو في القلق على مصير الأجيال القادمة، أو ما سيكون عليه وضع الدولة بعد نضوب النفط!! وبالتالي أصبحنا جميعا، أو كدنا، بسبب حوادث النهب والسلب والسرقة العلنية التي تجري في كل مكان، من المؤمنين بأن علينا أن نغنم زماننا ونأكل الكلأ ونشرب الماء، فغدا سينضب الماء وسيجف العشب، أو الضرع ولن يبقي حولنا غير الجفاف وصحراء قاحلة، وبحر مالح المياه.. كما كانت عليه الحال قبل قرنين أو يزيد من الزمان!! إن ما حدث مع مشاريع مثل: الوسيلة ومبنى المجلس الأولمبي والكثير من مزارع الصليبية التي تحولت، بأسماء متنفذين، إلى مخازن بضائع رسمية معترف بها من جميع الجهات وغير ذلك العشرات من الأمثلة التي لا تزال لجان المجلس تحقق فيها، كفيلة بتليين مواقف أكثر الناس حبا وهياما بالكويت، ومن ثم دفعهم للتفكير جديا في الانضمام إلى جوقة المطبلين والمطالبين بتوزيع ثروات الدولة نقدا على ‘الشعب’ وإسقاط ما تقدم وما تأخر من قروضهم وفوائدها!! أحمد الصراف