تعتبر الكويت، كصديقاتها وشقيقاتها، الخليجيات على الاقل، دولة متخلفة في أكثر من مجال وميدان. ومن العبث الادعاء عكس ذلك والقول إنها جيدة هنا وحسنة هناك، او ان اوضاعها في تطور للافضل. فواقع الحال يشي بتخلفنا حضاريا بمراحل، ليس مقارنة بالغير فقط، ولكن مقارنة بما كانت عليه اوضاعنا قبل عقود اربعة او اقل! فروح التسامح مع الآخر التي كانت اكثر وضوحا، اصبحت شيئا من الماضي. كما اختفت عادة مودة الغريب وتسهيل امره من المجتمع، واصبح قانون «إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب» هو الساري! كما كانت هناك دور لهو وسمر وسهر مجاورة لأماكن الزهد والعبادة، وكان هناك شاعر يشعر وشاد يشدو بجانبه، وقد يكون اخوه من امه وابيه قارئاً سمحاً يرتل ويفتي لمن شاء!
ثم جاء جراد التخلف قبل ثلاثين عاما وغطت جموعه اشعة شمس المودة والتسامح والحرية، وبخلاف ما يحدث مع ظاهرة الجراد، فقد قررت اسرابه، ولاول مرة، عدم المغادرة، بل الاستيطان بيننا بعد ان خرب بلاد غيرنا مع بدايات انهمار اموال البترودولار على دول المنطقة!
يعتقد الكثيرون أن اخلاقياتنا، الاسرية بالذات، هي افضل من اخلاقيات غيرنا، واننا اكثر رحمة ومودة بعضنا لبعض، مقارنة بالآخرين، وخصوصاً الغرب «الكافر المنحل»! كما يعتقد هؤلاء بأن عامل الردع عن الاتيان بما يسيء لنا ولأقاربنا في نفوسنا واخلاقياتنا اكبر منه لدى الآخرين. ويستشهد هؤلاء بانتشار اخبار الجرائم الاخلاقية في مجتمعات «الغير»، الفقيرة والغنية على السواء، مقارنة بمجتمعاتنا «الفاضلة والمتعففة والعفيفة»، وغياب ما يماثلها او ندرته في مجتمعاتنا، والخليجية بالذات!
ولكن الواقع المعاش والمخفي عن الانظار غير ذلك تماما. فمجتمعاتنا ليست الاكثر فضيلة، بل هي الاكثر محافظة على الكتمان، كتمان فضائح الغير والايمان بستر العرض، وإن تطلب الامر اراقة الدم على جوانب القضية لغسل العار فلا بأس في ذلك!
وقد بين عدد من الدراسات والابحاث الخاصة، التي شاركت فيها فرق بحث واستقصاء اوروبية، ان قضايا الاعتداء على المحارم هي الاكثر انتشارا في الدول، او المجتمعات، ذات الانظمة المحافظة مقارنة بالاقل تحفظا! ففي تجمع انثوي خاص عقد في احدى دول المنطقة تبين ان 40 من 50 من الفتيات الحاضرات اعترفن بتعرضهن لاعتداءات «جنسية» من نوع ما من اقاربهن! وقد دفعت نتائج هذه الدراسات، وما اسفرت عنه من وقائع مخيفة، بعض اهم دول المنطقة لانشاء مراكز تدخل متحركة في الكثير من المناطق، وخصوصاً الفقيرة والاقل تعليما، لاستقبال المعلومات والشكاوى المقدمة عن العنف الاسري، وبلاغات التحرش الجنسي بين المحارم، فيما تعمل جمعيات حقوق الانسان على حصر قضايا التحرش الجنسي لتضمينها ملفا يرصد هذا النوع من العنف. وقد لاحظت هذه الجهات غياب اية لوائح تنفيذية واضحة تحدد كيفية التعامل مع اصحاب الحالات المعتدى عليها او مع المعتدين. هذا على الرغم من مطالبتها بتطبيق عقوبات رادعة بحق الأخيرين، وهذه المطالبات تعني غياب العقوبات، او الاستمرار في محاباة الرجل في قضايا تطبيق الحدود، هذا على الرغم من ان نسبة كبيرة من المتضررات من الاعتداءات الجنسية هن من القصر وفتيات من امهات مطلقات، فالمشكلة تبدأ عادة عند حصول الاب على حضانة البنات ويكون هو اول المتحرشين، ثم الاشقاء، ومن بعدهم المحارم الآخرون! وليس غريبا ان في الكثير من حالات الحمل والاغتصاب تحاكم الفتاة وتسجن، ولكن قلما يحاسب المتحرش او المعتدي الذكر. وتذكر بعض اختصاصيات العلاج في المنطقة ان إلحاق الطفلة او الطفل المعتدى عليه بوالده، المعتدي، بعد فترة عقاب قصيرة، امر خطير، حيث ثبت ان المعتدي في مثل هذه الحالات يعود لارتكاب جريمته المرة تلو الاخرى، وهذا ما لا تسمح به، مثلا، قوانين المجتمعات الغربية. نعود ونقول ان درجة «اخلاقية» اي مجتمع لا تعرف بالتخمين وبظاهر الامور، بل بالدراسة المعمقة والجادة، وهذه لا يمكن ان تتم بغير توافر درجة عالية من الشفافية والصدق في هذه المجتمعات في مجالات البحث والاستقصاء والقول، وهنا نجد انفسنا في الدرك قبل الاخير بقليل، بين بقية امم الارض.