أحمد الصراف
يعتقد الكثيرون ان المجتمع الأميركي، والغربيون بشكل عام، مجتمعات منحلة، وأن المشاكل العنصرية تفتك بها، وأن الإجرام وحوادث السلب والقتل قد بلغت معدلات غير مسبوقة فيها، وأن عصابات المافيا تسيطر على كل ركن ونشاط هناك، وأن المخدرات لم تترك بيتاً دون أن تحطم أعمدته، وأن الفساد الإداري والسياسي لا حل له وأن عمليات النصب فاقت كل توقع، وأن ما يقع في أميركا يومياً من حوادث دمار وحريق وصراع شوارع بازدياد، وأن كل هذا سيعجل بانحلالها وانهيارها والدول الغربية الأخرى، كما انهارت قبلها امبراطوريات كثيرة. هذا على الأقل ما تصوره بعض شاشات شبكات التلفزيون الأميركية، وما تنتشي نفوس الكثيرين منا لسماعه أو تصور حدوثه!
قد يكون الكثير من ذلك صحيحاً، بالمطلق، ولكن الأمور دائماً نسبية! فإن كانت صحيحة فلم زعل البعض وغضبه من أميركا وهي التي ستنتهي وتنهار في نهاية المطاف؟ أليس من الأفضل والأسهل لكارهي أميركا ومنتقديها من الزملاء الجلوس على جانب الطريق وانتظار تحلل أميركا وشقيقاتها الغربيات؟ هل يعتقد هؤلاء بأن الساذج من كتاباتهم الحاقدة سيعجل بانهيار تلك الدول مثلاً؟ لا شك ان بعضهم يعتقد ذلك!!
سنجاري كل هؤلاء في أحلامهم ونفترض ان المجتمع الأميركي مجتمع فاسد حقاً، ومنحل ومخدر ولا أخلاق لديه وأن نهايته باتت قريبة، ولكن لنفترض أيضاً ان حكومة الولايات المتحدة أعلنت فجأة عن فتح باب التجنيس لفترة محدودة ولمواطني دول مجلس التعاون بالذات، فكم من كارهي أميركا ومن الحاقدين عليها سيطلب قربها ورضاها على الرغم من فسادها ولا أخلاقيتها؟ وهنا نتكلم عن مواطني دول مجلس التعاون، فما بالك بمواطني بقية الدول العربية، التي إن فتح باب الهجرة أمامها، فلن يتخلف غير المضطر، ولو كان في تلك الهجرة بئس المصير.
لا نقول ذلك من باب الشماتة ولا في معرض الدفاع عن أميركا التي لا تعرف أصلاً عنا أو عن أراضينا شيئاً، ولكننا نود أن نبين هذه الدولة التي يصفها هؤلاء بكل هذه الصفات البائسة والمنحطة والدونية، هي الأحسن في العالم بكل المقاييس. فلا تزال جامعات أميركا الأكثر رقياً وتقدماً بين جميع جامعات العالم. ولا تزال معاهدها العلمية ومراكزها البحثية الأكثر إنتاجاً وتطوراً. ولا تزال مخرجات مطابعها من روايات ودراسات وسير الأكثر رواجاً، ولا تزال صناعتها السينمائية الأكثر مشاهدة ولا تزال صناعاتها الطبية وأدويتها وأمصالها الأكثر طلباً. كما انها الأحسن والأقوى في الطيران والزراعة والاكتشافات البترولية والمعدنية الأخرى. وهي بين جميع دول العالم الأكثر تطوراً في وسائل المواصلات، وهي الأم والأب لعالم الإنترنت والكمبيوتر، وهي الأقوى على الإطلاق في عالم وعصر المعلومات الذي نعيشه، ولا توجد جهة أو دولة تمتلك عشر ما تمتلكه المؤسسات الأميركية من معلومات!!
فكيف يمكن أن نصدق انها على مشارف الانحلال والانهيار، وانها مجتمع الفساد والمخدرات والعصابات والقتل والحرائق إذا كانت لا تزال مصدر إلهام وأمل حتى لدول أوروبا الغربية واستراليا واليابان وكندا وغيرها؟!
لو كنا، أو كانت أي أمة، في مكانها، أما كنا سنتصرف، كقوة عظمى، بمثل ما تتصرف به حكومتها الآن؟ ألا تأتي مصالح ورفاه وعزة شعب الولايات المتحدة، بنظر إدارتها، فوق أي اعتبار آخر؟ ألا يبرر ذلك كل تصرفات أميركا العسكرية داخلياً وخارجياً، إن كانت ستصبح نتائجها في نهاية الأمر في مصلحة شعبها؟ وهل فكر أي كويتي مثلاً أثناء حرب تحرير الكويت فيما سيصيب الشعب العراقي من قتل، أو ما سيصيب العراق من دمار وانهيار في سبيل تحرير الكويت؟ ألم نكن جميعاً نريد عودة وطننا لنا «بأي ثمن»؟
فلم نرفض للغير ما نقبله لأنفسنا؟ ولماذا نعارض ذهاب أميركا وأوروبا للحرب في العراق وأفغانستان إذا كانت تعتقد حقاً ان في ذلك حماية لوجودها ورفاهية وحرية شعوبها من شرور تخلفنا؟
بأي مقياس يمكن النظر لزيارة الرئيس الإيراني للعراق، وهي الأولى في تاريخ البلدين، والعراق واقع تحت الاحتلال الأميركي، وخروجه سالماً معافى؟ ألا يحسب ذلك لمصلحة الحضارة الأميركية، والغربية عموماً، التي لولا إيمان نجاد بها لما قبل بوضع رأسه بين فكي الأسد!!