فشلت كل محاولات الوحدة العربية، وكل المباحثات بين إسرائيل والفلسطينيين، وإلى حد كبير بينها وبين بقية الدول العربية المجاورة لها، لأننا لا نريد الاهتمام، أو لا نستطيع التركيز على التفاصيل الصغيرة، فنحن في عجلة لتحقيق الوحدة والسلام، وما أن يتم التوقيع حتى نكتشف أن أمورا كثيرة لم يتم بحثها والاتفاق عليها أو مناقشتها، وتنقلب «الاتفاقية» إلى «خلافية»! وهنا نجد أن «خطة التنمية الموعودة» لا تختلف عن سابقاتها في هذا المجال، فما ان أقرتها الحكومة والمجلس وانتهى الحفل حتى تبينت مواضع الضعف والخلل.
***
تعتبر خطة التنمية، التي أقرت قبل سبعة أشهر، على الرغم من بساطة فكرتها وقابليتها للتطبيق، مثالا لما للتفاصيل الصغيرة من أهمية، والتي لم تعرها الحكومة أو المجلس التفاتا، وبالتالي تركت للزمن أو للمسؤول الأول، ليقرر ما يشاء فيها!
تنقسم الخطة، ببساطة شديدة، إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تقليدي، ولا يزيد على إعطاء دفعة مالية أكبر، تبلغ عشرة مليارات دينار تقريبا، للإسراع في تنفيذ المشاريع الإنشائية، كالمدن الطبية، ومدينة الخيران، وبيوت قليلة التكلفة، والطرق الجديدة، والمستودعات الطبية، والحدودية وغيرها. القسم الثاني: لا يختلف عن الأول غير أنه مخصص للقطاع النفطي، ولمبلغ مقارب للقسم الأول. أما القسم الثالث، والأكثر إثارة، فيتعلق ببيع بعض المرافق العامة للقطاع الخاص، أو تكليفه القيام بها عن طريق تأسيس شركات مساهمة تشارك فيها ثلاث جهات: الحكومة والمستثمر الاستراتيجي والمواطنون. ومن مشاريع هذه الشركات توليد الكهرباء والماء والمترو وسكك الحديد وتطوير جزيرة فيلكا وغيرها. المشكلة هنا أن هذه الشركات الجديدة لن يزيد رأسمالها عن 300 مليون دينار، وحجم المشاريع المطلوب تخصيصها أو تأسيسها يزيد على ذلك بكثير، وبالتالي ليس أمام هذه الكيانات الجديدة غير اللجوء الى الاقتراض، حتى لو منحتها الحكومة قروضا ميسرة، فحاجتها ستبقى ماسة لمئات ملايين الدنانير، فإلى أين تتجه لسد حاجاتها؟
يعتقد رجال الأعمال والمصارف أنهم الأقدر من غيرهم على ذلك، ولديهم السيولة والمعرفة والأجهزة والآلية، ولا يحتاجون لغير دعم بسيط من الحكومة فيما يتعلق بأسعار الفائدة. أما الجهات المخالفة، ومنهم متنفذون في مجلس الأمة، فإنهم يرون أن المصارف يجب ألا تقوم بعملية التمويل لعدم توافر السيولة لديها، إضافة لارتفاع نسبة فوائدها.
وهنا بدأت المعركة بين مختلف الأطراف في تحديد الآلية، أو الجهة التي يجب عليها القيام بتمويل هذه الشركات «الدسمة»، فجانب يرى تأسيس مصرف جابو خاص لتمويل هذه الشركات بشروط ميسرة ولآجال طويلة. وجانب آخر يرى أنه من الأفضل تكليف «صندوق التنمية الكويتي» بعملية التمويل بعد زيادة رأسماله من 2 مليار إلى 10مليارات، فهو الأقدر والأكثر خبرة من غيره، وآخرون يرون أنه من الأفضل إصدار سندات تستخدم أرصدتها لتمويل قروض الشركات الجديدة، وطالبت جهة رابعة بإنشاء هيئة أو كيان دائم يختص بمشاريع «الإنماء والإعمار» وتكون له ميزانية ومجلس إدارة محايد ومستقل، يكون بعيدا عن التجاذبات السياسية، ونفوذ البعض! ولكن كل هذه المقترحات تحتاج الى قوانين تنظمها، وهذه تتطلب وقتا طويلا، خاصة أن سنة الخطة الأولى ستشرف على الانتهاء ونحن لا نزال نراوح في مكاننا. وإلى مقال الغد.
أحمد الصراف