في قمة صراع شعب جنوب أفريقيا مع مستعمريه البيض، قال القس ديزموند توتو إنه يحزن لكل هذا القتل والتشريد والتدمير الذي يحدث في وطنه، فالحرية قادمة لا محالة، فلماذا لا يتوقف هذا القتال وننقذ كل هذه الأرواح والأموال؟
* * *
انتشرت في سنوات ما بعد التحرير فتاوى صادرة عن جهات سعودية متشددة تحرم استخدام الأطباق اللاقطة للقنوات الفضائية! وأيد الكثيرون في الكويت الفكرة، واصبح وجود «دش» أو طبق لاقط على بيت يشكل منكرا تجب إزالته، وقام الحرس الديني في أكثر من دولة «متقدمة» من دولنا بأخذ زمام المبادرة وتحطيم الأطباق في الأماكن العامة، وكانت حفلة زار لم يستفد منها غير «الكفرة» من مصنعي تلك الأطباق، حيث لم تمر غير سنوات حتى أصبح ينافس كل مكتب وبيت وجاخور وشاليه الآخر في حجم وغلاء طبقه اللاقط. ولم تنته الألفية الثانية إلا ورأينا أولئك أنفسهم، الذين سبق ان حرموا الأطباق، يتسابقون على اقتناء أعقدها وأغلاها مع أحدث «الرسيفرات»! ثم أصبحوا يشاركون في الظهور على القنوات نفسها التي سبق ان حرموا مشاهدتها، وفي مرحلة تالية اصبحوا من أكثر المستفيدين من الظهور عليها!
ولو طبقنا مثال الأطباق اللاقطة، وكيف حرمت بنص واضح، تم التغاضي عنه بعدها، وقبول وجودها في حياتنا في مرحلة تالية، والترحيب بها، ومن ثم التكالب على الظهور في محطاتها، لوجدنا أمامنا مثالا كلاسيكيا يتكرر المرة تلو الأخرى بملل واضح، فنحن نرفض ونحرم ونحارب ثم نسكت ونتغاضى ونقبل ونرحب بما سبق ان حرمناه قبل فترة قصيرة! فالديموقراطية قادمة والتحضر قادم لا محالة، وحقوق الإنسان المستباحة عندنا ستنتهي، والحرية ستسود في نهاية المطاف، وسيكون للمرأة ما تستحق من مكانة عالية، كأم وزوجة وابنة وأخت وصديقة وزميلة، وبالتالي لم كل هذا العنف وكل هذا القتل والتدمير؟ من الواضح أننا نعيش تناقضا واضحا في حياتنا من خلال محاولة المواءمة بين النص الديني والحاضر المعاش المخالف له تماما، ولن تكون هناك غلبة لطرف على الآخر، وبالتالي علينا جميعا قبول مبدأ التعايش مع الجميع، والاتفاق على أننا لسنا بالضرورة أكثر صوابا من غيرنا أو أرفع مكانة منه! نكتب هذا المقال ردا على المجزرة البشعة التي تعرضت لها مجموعة من المصلين المسيحيين الأبرياء، والتي راح ضحيتها العشرات، في احدى كنائس العراق صباح يوم الأحد الماضي.
أحمد الصراف