من منكم سمع بــ هيلدي باك؟ Heldi Back لا أحد تقريبا، ولكن قبل أن نروي قصتها دعوني أوضح أن هناك قراء ومحررين في القبس لا يستسيغون غالبا قيامي بين الفترة والأخرى بالنقل أو الترجمة من الإنترنت، ولهؤلاء كتبت الفقرة الأخيرة من المقال.
تبلغ السويدية هيلدي باك الثمانين، قتل والداها في أحد معسكرات الاعتقال النازية ربما بسبب أصولهما اليهودية، وتمكن شخص مجهول من إنقاذ حياتها ونقلها الى السويد. وفي يوم ما، واستجابة لإعلان تلفزيوني، قررت معلمة المدرسة هيلدي التبرع بمبلغ من المال لدعم تعليم طفل كيني لا تعرف عنه شيئا. وعلى الرغم من أنها تبادلت معه على مدى سنوات بضع رسائل، إلا أن الاتصال بينهما انقطع بعدها. وبعد 15 سنة تقريبا طلبت منها الجهة المعنية بمساعدة الطلبة الفقراء التوقف عن الدفع لانتفاء الحاجة، بعد أن تخرج من كانت تصرف على تعليمه في الجامعة وبدأ يعمل.
الطفل الكيني، الذي تلقى مساعدة هيلدي على مدى سنوات لم يكن غير كريس أمبورو Chris Mburo المحامي الكيني المعروف في منظمة العفو الدولية، ورئيس قسم مناهضة التمييز العنصري التابع للأمم المتحدة، والذي لم يكن ليحقق شيئا من أحلامه من دون الدفعات المنتظمة التي كانت ترد من هيلدي سنة وراء أخرى، والتي مكنته في نهاية الأمر من إنهاء تعليمه الجامعي والحصول على إجازة في الحقوق من جامعة هارفارد الأميركية العريقة.
في عام 2003 عاد كريس الى قريته، وعرفانا بجميل هيلدي عليه وعلى أسرته والمجتمع الدولي، قام بتأسيس صندوق خيري للصرف على التعليم، أطلق عليه اسم «هيلدي باك للتعليم»، الذي يستفيد منه آلاف الطلبة الفقراء، ويعتبر برنامجه الأكثر نجاحا في أفريقيا.
وخلال الفترة ذاتها وحتى قبل شهر لم يتوقف كريس عن البحث عن هيلدي، وبعد جهود مضنية توصل الى عنوانها وقام بالاتصال بها ودعوتها الى زيارة كينيا لترى نتيجة عملها الخيري، وكان لقاء ذا شجون. وعند سؤالها عما دفعها، وهي التي لم يعرف عنها الثراء، واليهودية، لأن تتبرع بالصرف على طفل مسيحي لا تعرف عنه شيئا، قالت إن عمل الخير يشبه رمي حصاة على سطح الماء، حيث تتشكل من ذلك دائرة صغيرة ثم دائرة أكبر فأكبر، وإنها مدينة بحياتها لإنسان لا تعرفه قام قبل سبعين عاما بإنقاذ حياتها، ولا تتذكر حتى ملامحه، ولم يحاول أن يعرف نفسه لها، فلم يهتم، مثلها، بصغائر الأمور، فقد قامت بتقديم خدمة لطفل محتاج بصرف النظر عن لونه، جنسه أو دينه، وما يفعله الآن كريس من خلال صندوق التعليم يصب في الاتجاه نفسه، وسيأتي مستقبلا من سبق ان استفاد من معونة الصندوق ليقوم بعمل مماثل وهكذا تتكاثر وتكبر دوائر الخير!
دفعتني هذه القصة المؤثرة الى اتباع خطى هيلدي والتبرع لجمعيتها الخيرية بمبلغ من المال! وللراغبين في الاقتداء بي وصرف مبلغ بسيط شهريا لتعليم طفل في أكثر مناطق العالم فقرا، البحث من خلال غوغل على Hilde Back Education Fund وسيجد ما يريد من تفاصيل عن الصندوق وطريقة التبرع. والآن هل نستمر في البحث والنقل من الإنترنت؟
أحمد الصراف