بالرغم من كل ما تمر به البلاد من أحداث صعبة، إلا أن من المهم في الوقت نفسه ألا ننسى الوضع المأساوي الذي يمر به التعليم، والذي تسبب فيه، بقدر أو بآخر، كل وزراء التربية، مما أدى إلى هذا الدمار التعليمي الذي نعيشه! نقول ذلك بالرغم من الجهود التي تبذلها الوزيرة الحمود لإصلاح مسيرة التعليم، إلا أن الوضع لا يزال يحتاج إلى كثير من الشجاعة والمثابرة، خاصة انها تعمل في ظروف سياسية غير عادية، فنظامنا لا بالديموقراطي ولا بالسلطوي، وهو وضع لا يملك المسؤول فيه غير الشعور بأنه مقيد برغبات وأوامر أكبر منه. وغني عن القول إن التخلي عن المسؤولية لن يؤدي إلى تغيير في العملية التربوية والتعليمية.
للشاعر والأديب خليفة الوقيان نصوص أدبية رائعة، ومنها النص التالي: «إن هناك خلطا بين مفهومي الإبداع والثقافة، فحين تذكر الثقافة تنصرف الأذهان نحو الإبداع. ويظن أن غير المبدعين لا علاقة لهم بالثقافة، أو هي منقوصة لديهم، وهذا وهم، لأن المبدعين هم الأقل ثقافة، لأنهم يعتقدون انهم يحققون باعمالهم الإبداعية إنجازات تغنيهم عن بذل الجهد لتعميق ثقافتهم. ثم إن اجهزة الإعلام تعمق لديهم الإحساس بتضخم الذات. أما المثقفون غير المبدعين فهم بعيدون عن آلة الإعلام المضللة، وقديما كان الأدب يعرف بأنه الأخذ من كل فن بطرف، وهذا التعريف يصدق على الثقافة، وإن كان تقليديا، ويعود السبب في تحديد تعريف معين للثقافة إلى كونها متسعة الأرجاء تستغرق العادات والتقاليد والقيم والموروثات وانماط السلوك والإنتاج فكريا كان أو ماديا. وقد تعددت الجهات المسؤولة عن الثقافة، فهي لا تقتصر على وزارة الثقافة! بل تمتد لتشمل الأجهزة المعنية بالتربية والتعليم والآثار والعمارة وشؤون الشباب ومؤسسات المجتمع المدني.. إلخ. والمشكلة الأساسية لا تكمن في تعدد المشروعات والبرامج الثقافية التي يتم إنجازها، بل تكمن في غياب الاستراتيجية الثقافية أو الرؤية الفكرية، فما الذي نريده لمجتمعنا وامتنا؟ هل نريد تهيئة الأجواء وتمهيد السبل للعودة إلى الماضي عملا وسلوكا؟ أم نريد الدخول في القرن الحادي والعشرين مثل بقية الأمم مع المحافظة على هويتنا العربية والإسلامية. والجواب، إن تحديد الهدف هو الذي ينبغي أن يحكم واضعي المشروعات والبرامج الثقافية. ومن أهم المقومات والشروط التي ينبغي أن يتحلى بها الراغبون في تفعيل الدور التنويري للثقافة عدم الشعور بالاحباط واليأس والإصرار بأن لا خيار لنا سوى الإصرار على زرع الشموع في الطرقات التي تجتاحها جحافل الظلام، فإن لم نصل إلى نهاية النفق، فسوف يصل ابناؤنا..! ولعل قدر أمتنا أن تواجه في كل قرن بموجة فكرية ترى أن الخروج من مأزق الحاضر المأزوم لا يكون إلا في العودة الرومانسية إلى الماضي، ولعل قدرنا هو أن نصر على الخروج من المأزق، ولا يكون ذلك بالهروب إلى الماضي، بل بالمواجهة، ومن ثم الاتجاه نحو المستقبل»! انتهى.
بالرغم من جمال النص إلا أنه ليس بالسهل، وخاصة لطلبة في الرابعة عشرة من العمر، فقد أصاب أولياء الأمور بالحيرة، وهم يحاولون شرح مضمونه لأبنائهم. وما هذه إلا نوعية المقررات التي تحتاج إلأى إعادة النظر فيها، غير البلاوي الأخرى.
أحمد الصراف