شاع مثل «دافنينو سوا» في دول عدة، ويتعلق بقصة صديقين امتلكا بعيرا صبورا اعتمدا عليه في معيشتهما، وكان وجودهما يرتبط به لما يقوم به من مهام، ولم يكونا يفارقانه. وفي يوم نفق الجمل فجأة، وعلى ظهره حمل ثقيل، فدفناه حيث هو وجلسا بجانبه يندبان حظهما ويبكيان بحرقة خسارتهما فيه، وكان كل من يمر بهما يسأل عن المرحوم فيقولان انه «أبو الصبر»، أبو صبر الخير، أبو البركة، الذي كان يقضي الحوائج ويرفع الثقل ويقرب الصديق ويبعد العدو!
وكان من يسمعهما يعتقد انهما يتكلمان عن ولي صالح وصاحب كرامات فلم يكونوا يكثرون السؤال بل يكتفون بمشاركتهما العزاء، وترك بعض المال والطعام لهما قبل المغادرة، وشيئا فشيئا أصبح عدد الزوار كبيرا وتبرعاتهم أكبر، وهذا أتاح لهما تشييد مبنى فوق القبر، ثم حجرة معيشة لهما، وزاد البناء وارتفع مع زيادة اموال النذورات، فحفرا بئرا لسقي الزوار وأماكن لقضاء الحاجة، وارتفع البناء تدريجيا وخصصت أماكن للضيافة وأخرى للاستراحة وتناول الطعام ومحلات لبيع تمائم وتذكارات دينية وربطات أدعية، وعم خبر كرامات الولي الشفيع (أبو الصبر) الكبير التقي الصالح، الذي يفك الكربات ويداوي الآهات ويزوج العانس ويطلق سراح المسحور، المنطقة كلها، فزادت الزيارات ومعها التبرعات وتحول موقع الدفن البسيط الى مدينة صغيرة تعج بالحركة، وتزايدت ثروة الشريكين، من عطايا السذج التي كانا يتقاسمانها، وفي يوم اختلفا على طريقة القسمة فغضب احدهما من الآخر، ورفع يده طالبا من «أبو الصبر» ان ينتقم منه، فضحك الآخر قائلا: ما احنا دافنينو سوا!
ولو نظرنا لأحوال عالمنا ولكثرة المزارات الدينية فيه، الصحيح منها والوهمي، وما يحيط بزياراتها من شعائر وطقوس، وما يشاع عن قدرة «أصحابها» على اتيان الخوارق والمعجزات ومنح البركات وفك الكروب وتلبية الملهوف واعانة المظلوم، لوجدنا ان الشك يطال الكثير منها في ظل عدم وجود أي معلومات موثقة يعتد بها ويمكن ان تعطي، ولو فكرة عن سيرة «المرحوم»، فالتدوين لم يكن يوما جزءا من تاريخنا الديني أو السياسي! ولو حاولت أي جهة تحري الحقيقة لوجدت أن أشد الناس اعتراضا أولئك الذين يعتنون بتلك المزارات والمدافن والمستفيدون منها، وكم الروايات والأساطير التي تشاع عنها، والتي لا نعرف مدى حقيقتها في ظل كل هذه الأمية التي نعيشها!
***
ملاحظة: سنغيب عنكم مؤقتا حتى منتصف مارس الجاري ونأمل ألا تغيب المقالات من العمود.. وكل عام وأنتم بخير.
أحمد الصراف