وضع جون روكفلر قدمه على كرسي ماسح الأحذية، فسأله هذا، وهو يقوم بعمله عن مستقبل سهم معين، فغمغم الملياردير ببضع كلمات وذهب لمكتبه ليبيع جزءا كبيرا من أسهمه ويخرج من السوق الذي انهار بعدها بأسابيع قليلة، بعد ان شعر بأن هناك شيئا ما ينذر بالقلق بعد دخول ماسح الأحذية للبورصة!
تذكرت تلك القصة، مع الفارق الكبير طبعا، قبل شهرين عندما حضرت ندوة في البحرين، اضطر منظموها، تسهيلا لتنقلنا، الى اسكاننا في فندق متواضع، وعند ذهابي الى الحمام اللوبي فوجئت بامرأة تمسح الأرضية. دفعتني تقاطيعها العربية الى سؤالها فتبين أنها مواطنة من فئة محددة، واستغربت أن يحدث ذلك في منطقة طالما تشدق رجالها، بنفاق واضح، بحرصهم على كرامة المرأة وتشريع مختلف القوانين المكلفة لكي تبقى في بيتها ولا تضطر الى الخروج منه للعمل، وهذه المرأة لا تزال تعمل، في ساعة متأخرة في فندق رخيص يمتلكه آسيوي، في مسح بول الرجال في مملكة عربية خليجية مسلمة ثرية بكل شيء! وقلت لنفسي وقتها ان هناك ما يثير القلق حقا، فالأمر كان يهون لو كان الفندق فخما وبقشيش زبائنه كبيرا، أو أن العمل حكومي ومضمون.
نقول ذلك لنصل إلى جملة حقائق وهي أن هناك فسادا ماليا وتفرقة وظلما في المعاملة وفقرا وبؤسا، وأهم من ذلك فساد سياسي لا يمكن تقبله في تلك الأرض الطيبة. وكما لم يتقبل أحد فساد أنظمة تونس ومصر والمغرب وليبيا وغيرها، يجب ألا نتقبل فساد البحرين، فما دفع الأوضاع فيها الى تلك الحافة الخطيرة هو تمادي جهات محددة في الحكومة في إهمال مطالب الشعب الأساسية، الأمر الذي اعطى قوى المعارضة دفعة قوية للمطالبة بإصلاحات سياسية وتعديلات دستورية تعيد للشعب حقوقه، وهي المطالب التي تعود الى الثلاثينات، وقبل أن تضرب المذهبية بدائها ما تبقى من عقولنا، وكان مرعبا ملاحظة الكيفية التي تعاملت السلطة بها، منذ البداية، مع مطالب المعارضة المسالمة، والتي كان من الممكن احتواؤها بسهولة، ولكن الرصاص الذي انطلق من طائرات «الأباتشي» الحربية، الذي مزق الصدور وفجر الرؤوس وقطع الأجساد البحرينية العربية المسلمة البريئة، حوّل المشهد إلى كارثة ستحرق نتائجها المنطقة بلا شك، وأتمنى أن اكون على خطأ. فنحن أمام سابقة تاريخية، فلأول مرة يقوم عسكريو جيش دولتين للتصدي لبضعة آلاف من المتظاهرين المسالمين، بحجة أنهم اغلقوا طريقا هنا واحتلوا دوارا هناك!
لا تعليق أكثر، فقد انفلت المنطق وغاب العقل وأصبح مصير المنطقة مظلما، بعد أن ضربها زلزال الطائفية وتسونامي الجهل إلى الأبد، وبذا أعطينا النظام الإيراني الذريعة التي يريدها للتدخل في شؤوننا، وكل ذلك لكي تبقى بضعة رؤوس لا تستحق الاحترام في «وظائفها»!!
أحمد الصراف