يعتبر تشارلز داروين واحدا من أعظم علماء البشرية، ولا تزال نظريته عن أصل الأنواع، وبعد 160عاماً، الأكثر جدلا في التاريخ حتى يومنا هذا، ويعتقد أنها وضعت حدا لجدل دام آلاف السنين. لم يكن داروين عالما فذا فحسب، بل صاحب رسالة إنسانية، فقد كان له موقف واضح من الرق سبق به عصره، وهو ما تكون لديه نتيجة مشاهداته على سواحل أميركا الجنوبية من وحشية في التعامل مع الرقيق باسم الكنيسة المسيحية، وكيف أن بعض أولئك البؤساء، وبينهم مسلمون، كانوا أكثر فهما ورقيا مقارنة بسادتهم البيض! وقد شكلت تلك المشاهد لديه البعد الاثني الانساني الانثروبولوجي الذي ساعده لاحقا في التوصل الى نظريته الإنسانية ومواقفه المناهضة لفكرة التفوق العرقي. وقد سعى للكشف عن مظاهر الاخوة الانسانية عبر البحث والاستقصاء العلمي، من دون التورط في أي ممارسات سياسية. ومع وفاته في 1822ودفنه في مقبرة «وستمنستر آبي» للعظماء، وصلت نظرياته عن «أصل الانسان» الى منعطف مهم وحظيت باهتمام العلماء وأصبحت لاحقا المصدر الاساسي للتعرف على طرق التطور واساس النظريات الحديثة. وعلىالرغم من مواقف داروين الإنسانية هذه، فان المتدينين من قومه لم يفوتوا فرصة لدحض أفكاره ومحاولة محوها ومنعها من أن تدرس، وكان أشد المناهضين له أولئك المطالبون ببقاء نظام الرق على ما هو عليه! ومعلوم أن إنكلترا سبقت العالم بتحريم الرق رسميا في 1833، وتضرر من ذلك الكثير من مالكي الرقيق، ومنهم عرب ومسلمون، وكان الرق معروفا في الكويت حتى ما قبل الاستقلال بقليل، وحتى بعد ذلك بسنوات في مناطق أخرى من الجزيرة العربية، وهو ما عاصرته شخصيا خلال عملي المصرفي. وقد بينت الدراسات الحديثة أن الإنسان العصري لم يتوقف عن التطور، ولكنه أصبح أكثر بطئا من ذي قبل، وأن الإنسان كان مميزا في عالم الحيوان وخلق لنفسه بيئة تحميه من تقلبات البيئة بطريقة لم تعرفها الحيوانات الأخرى، فالدب القطبي مثلا تطور بتكوين فراء يحميه من البرد، ولكن الإنسان، بدلا من ذلك، قام بقتل الدب واستخدم فراءه للحصول على الدفء. مما يعني أن التقدم التقني ابطأ من تطورنا الجيني، ولكن لم يوقفه، فلو قمنا بمقارنة جينات مختلف البشر حول العالم لأمكن ملاحظة مدى ما هنالك من اختلاف بين الأجناس البشرية وكيف تطور البعض بمعزل عن الآخر منذ أول ظهور للجنس البشري، وأحد اشكال التطور هذه لون البشرة، كما أن هناك ظاهرة أخرى تتعلق بصعوبة قيام الجهاز الهضمي لدى البشر بهضم مواد معينة وتغلب غيرها عليها وهضمها بسهولة، فمادة السكر في الحليب، أو اللاكتوز، وقبل أن يعرف الإنسان الزراعة قبل عشرة آلاف سنة تقريبا، لم يكن بإمكانه هضمها، ولكن مع التطور البشري أصبح البعض أكثر تقبلا أو تحملا لهذه المادة من غيرهم، فــ %99 من الإيرلنديين مثلا يتحملونها، أما في جنوب شرق آسيا، حيث لا تنتشر بينهم منتجات الحليب، فإن النسبة لا تزيد على %5.
أحمد الصراف