للمؤلف وكاتب العمود الاميركي ديف باري، الفائز بـ«بوليتزر»، جملة شهيرة، يقول فيها: «استغرق الأمر مني خمسين عاما لأعرف حقيقة أن الناس الذين يرغبون في أن تشاركهم وجهات نظرهم الدينية، هم في الغالب على غير استعداد لمشاركتي في وجهات نظري الدينية»!
***
بذل ملالي ايران جهودا كبيرة لاستئصال مظاهر الحداثة الغربية من حياتهم وثقافتهم، وبذلوا جهودا اكبر لكي يحلوا مكانها ما يسمى بـ «الحداثة الاسلامية»، وإن على الطريقة الايرانية المشبعة بخصائص المذهب الشيعي، دون غيره. واعتقد هؤلاء أنهم بعملهم هذا يعيدون تطبيقات الشريعة الاسلامية لما كانت عليه، وان عليهم محاربة الحداثة الغربية عن طريق اعادة صياغة فكر المواطن العادي ووعيه من خلال مناهج التربية والتعليم، والتأثير تاليا، وبشكل كامل، على أسلوب حياة الفرد الايراني! وللوصول إلى ذلك قامت القيادة الايرانية في سنوات الثورة الأولى باغلاق أعداد هائلة من المدارس، كما اوقفت الدراسة لفترات متقطعة في المعاهد والجامعات بغية أسلمة مناهجها وكادر مدرسيها، وهذا ادى إلى التخلص من عشرات آلاف المدرسين لمجرد الشك في ولائهم للمشروع الاسلامي، كما تم وقف البعثات التعليمية للجامعات الغربية، واعادة من سبق ان ابتعث خوفا من استمرار تأثرهم السلبي بـ«فضائل الغرب»! كما منع اختلاط الجنسين في المدارس والجامعات، وكلفت ميليشيات رجالية ونسائية بمهمة فرض السلوك الاسلامي في الشارع، وحظر ارتداء الأردية «غير الاسلامية»، ونال الكثيرون الضرب والجلد علنا، وحتى السجن، لمخالفتهم أوامر «المرشد الأعلى». كما بذلت الحكومة الاسلامية جهودا جبارة لمنع المواطنين من مشاهدة القنوات الأجنبية «المفسدة»، وتم تسيير فرق تفتيش للبيوت والشقق ومراقبة أسطح المنازل والبلكونات للتأكد من عدم استخدام الأطباق اللاقطة! كما حظرت مشاهدة أي أفلام أجنبية، وبالذات الاميركية، الا تلك المعادية لأميركا، ومن الطريف أن فيلم Dance with the Wolf عرض في مئات دور السينما لأشهر عدة لأنه كان يظهر الاميركي بصورة قبيحة!
ان كل هذه الاجراءات المتشددة وجيوش نشر الفضيلة الجبرية وأحكام الجلد والسجن والشنق التي تصدرها المحاكم في دول مثل ايران والسودان وغزة وبعض دول مجلس التعاون والتي تهدف إلى تغيير سلوك البشر ودفعهم للتصرف كما تريد قياداتهم لا تختلف عما كانت تنتهجه الأنظمة الشيوعية المتعسفة مع مواطنيها، وكل هذه العقوبات لن تجدي نفعا، فتسونامي الحداثة ومبادئ حقوق الانسان ستجرف كل هؤلاء من طريقها لا محالة.
أحمد الصراف