جلس الرجل أمام مستمعيه وأسمعهم نكتة جميلة فضحكوا منها بشكل جنوني. بعد لحظة صمت، وعندما استعاد الجمع هدوءه، كرر إلقاء النكتة نفسها مرة ثانية ولكن قلة فقط ضحكت هذه المرة. وبعد لحظة صمت اخرى كرر إلقاء النكتة نفسها المرة تلو الأخرى وعندما لم يضحك أحد من الحضور ابتسم وقال: أتفهم جديا سبب عدم ضحككم من نكتة سمعتموها المرة تلو الأخرى، ولكن ما لا أستطيع فهمه هو سبب استمراركم في البكاء على القضية أو الحالة أو المحنة أو المأساة نفسها شهرا وراء آخر وسنة بعد اخرى، ولعقود وقرون تالية! ولماذا لا تكون لنا القدرة على نسيان الماضي وجعله خلفنا، بعد التعلم منه، والمضي قدما في الحياة؟
ولو نظرنا إلى وضع شعوبنا، لوجدنا أن عددا لا بأس به وكأنه استمرأ عملية اجترار أحزان الماضي سنة بعد اخرى، وهو ربما يعتبر هذا نوعا من الوفاء، أو الصدق مع النفس أو نوعا من الحث على التضحية بالغالي والنفيس في سبيل مبادئ أعظم وأعلى، ولكن ما فائدة هذا الوفاء وهذه التضحية والحزن إن لم تساهم في رفع مستوى تفكيرنا وتحسين معيشتنا وجعلنا بشرا افضل من غيرنا، فما جدوى الإيمان بوقائع ومواقع لا أحد بإمكانه الجزم بصحتها، إن لم تساهم في جعلنا اعزة، وماذا جنينا من كل هذا الحزن والبكاء واللطم وشق الجيوب؟ هل حلت مشاكلنا الحياتية والنفسية والمالية، أو أصبحنا أكثر تحملا لها، أو أصبحت أوضاعنا المعيشية أحسن أو استعدادنا للتضحية أكبر؟ لا شيء من ذلك، فتصرفات واحوال شعوب عدة خير دليل على ما نرى، فأحوالنا منذ الفي عام أو أكثر لم تزدد إلا سوءا، عاما بعد آخر، بخلاف فترات قصيرة من الزمن الضائع، ولو نظرنا إلى حال بقية دول العالم، من غير البكائين، لوجدنا شيئا آخر، فروح الفداء والتضحية لديهم ليست بأقل من عندنا، إن لم تكن أفضل، ومستواهم المعيشي في تقدم مستمر وعلومهم في ازدياد، وجامعاتهم تطفح بالدارسين ومختبرات لا تتوقف عن إخراج الأفضل ونحن لا نزال نعتقد ان البكاء على الماضي سيعيد لنا شيئا مما أضعناه من وقت وكرامة ومال؟
يقول ابن خلدون في مقدمته: فهل هي العصبية التي تقود تصرفاتنا اللاعقلانية أم أننا فقط كارهون لبعضنا البعض،ام ما هي إلا تجارة فيها خاسر ورابح فقط؟
أحمد الصراف
[email protected]