يقول صديقي الكاتب المصري غير الشهير انه كان ولا يزال مسلما مؤمنا، ولكن إسلامه معتدل ومحدّث يركز على الشعائر والعبادات وما يوافق مبادئ المحبة والرّفق والإحسان وحسن الخلق، وهو ما علمته إياه المناهج التعليمية. وقال انه كان في نعمة، وكان هذا قبل زيادة التعليم والسفر والاختلاط بالشعوب الأخرى، ومن بعدها ظهور الانترنت والمحطات الفضائية التي جعلت المعلومات والأخبار تنساب بين الناس بسرعة وغزارة غير مسبوقة، مبرزة بشكل فج الإنجازات العلمية لسكان دار الكفر وتحويل العالم لقرية صغيرة.
قبل هذه الثورة العلمية التي لا ناقة لدار الإسلام فيها ولا جمل، كان صديقي فرحا بدينه مباهيا به باقي الشعوب والأمم، فحتى الثمانينات تمّ تطعيم المناهج التعليمية بإسلام غير متطرف، وكان حتى أئمة المساجد يلقون خطبا تأتيهم من الوزارة، وحسب سياسات معينة. ويقول كنا فضلا عن ذلك شبه معزولين عن العالم ولم تكن للكثير من دولنا علاقات دينية عقائدية مع مراكز التشدد الديني، وإن كانت الشرارات الأولى لفكر الإخوان وليدة السلفية الوهابيّة، التي بدأت تقدح هنا وهناك مشعلة نيران صحوة مزعومة لم يكن يعلم أنها صحوة للتخريب والفوضى والكراهية والرعب والبشاعة ولإقامة مملكة الشَّعر (بالفتحة فوق حرف الشين) وليسود ذوو الوجوه العابسة المتجهّمة المرعبة، وأنها صحوة لإحياء فريضة الجهاد الغائبة بين المواطنين، بعد تقسيمهم لفئة ناجية وأخرى ضائعة يتطلب الأمر قتالها فهي موعودة بالنار! وهكذا انطلقت الحرب المقدّسة وظهرت فرق الموت والمفجّرين والانتحاريين وقاطعي الرؤوس في كل مكان، في الوقت الذي كانت البلاد تشهد مدّا جارفا لا مثيل له راح يجرف في طريقه كل ما عرفه وما انتقاه ونقحه من دين، وهو المدّ الذي تمثّل أساسا في كمّ هائل من دوريات وكتيبات وشرائط سمعية بدأت تصل الناس عبر البريد مجّانا لتعيد غربلة أفكارهم وتعليمهم على نهج السّلف الصّالح! ولعب البترودولار دوره في نشر المطبوعات وتجييش الدعاة والرّعاة الأجلاف بغير جهد بفضل منتجات شركات الكفر، وانتهى الحال بإغراق الأمّة من أقصاها إلى أقصاها بقنوات فضائيّة تمارس التجهيل والتّنويم والمتاجرة بالدّين عن طريق أرمادة من الجهّال والتّيوس والدجالين والمنافقين الذين لا يعنيهم غير حساباتهم البنكيّة وبطونهم وغيرها من متعهم. ويقول بأنه الآن، وبعد أن أتاح له غوغل ومكّنه من الإبحار بيسر وأمان كيفما شاء في التّراث ومصادره المختلفة والمتنوّعة واجتهادات مشايخه وتأويلاتهم أدرك أن الغالبية، العظمى، بعيدة جدا عن… الحقيقة!
أحمد الصراف
[email protected]