ما الذي سيحدث لو فكر رئيسا شركتين عملاقتين تكليف مديريهما دراسة فكرة اندماج أنشطتهما المتشابهة؟ غالبا سيوصي هذان المديران برفض الفكرة، فالموافقة عليها تعني الاستغناء عن أحدهما! أكتب ذلك بمناسبة الدعوات التي لا تنفك، وبإصرار عجيب، تردني منذ سنوات، من لجان ومراكز تنتمي لحركات دينية، تدعوني للمشاركة في مؤتمرات تقريب المذاهب والأديان! لا أعلم حقا الهدف من هذه الدعوات، أو من عقد هذه المؤتمرات، غير تناول الوجبات وتبادل المجاملات من أحاديث وحكايات، ثم الانفضاض، مع اتفاق على لقاء مماثل في الشهر المقبل او السنة التالية!
إن رجال الدين، ومن يطلق عليهم لقب «المفكرين» الذين يشاركون في هذه المؤتمرات وملتقيات تقارب الأديان والمذاهب ليسوا بأغبياء، فهم يعلمون جيدا أن أي دمج، أو حتى تقارب طفيف، يعني غياب أو اضمحلال نفوذهم، وفقدهم لوظائفهم المريحة والمربحة وما يلقونه من احترام وتقدير، ولكنهم، مع هذا، يستمرون في إرسال الدعوات وعقد اللقاءات والاجتماعات عاما بعد آخر، دون كلل ولا ملل، وتبادل الفارغ من الخطب! فما السبب يا ترى وراء هذا الإصرار؟ خاصة أن غالبية المشاركين، وبالذات من رجال الدين، لا يعرفون عملا غير الوعظ والإرشاد وخدمة الدين والمؤمنين، ولأي مذهب أو ديانة انتموا، وبالتالي سيصبحون عالة على أسرهم إن هم فقدوا وظائفهم، ولكن يبدو أن لدى جميع أطراف مثل هذه اللقاءات فكرة عما يقومون به، وان أي تقارب لن يحصل لا اليوم ولا بعد 100 عام، فهذا سيقطع مورد رزقهم من العمل الوحيد الذي يتقنونه، وبالتالي لا بأس من الالتقاء هذه السنة على ضفاف نهر السين في باريس والسنة التالية ضمن حرم جامعة أكسفورد المرموقة ومدينتها الجميلة، وفي السنة التالية في واشنطن أو ربما نيويورك، ويوما ما في القدس، ولا بأس من عقد لقاء في الدوحة، بعد أن أصبحت محجا للكثيرين، هذا غير فرصة الالتقاء برجال دولة وسياسيين كبار، والإقامة في فنادق الخمس نجوم، وتناول أطيب الأطعمة، وتذوق أشهى المشروبات، والانتقال، في فترات الراحة، من معلم سياحي لآخر، وكل ذلك على حساب حكومات تريد كفاية شرهم، او شركات لا ترغب في ان تبدو أنها تعمل ضد تقارب المذاهب والأديان.
أتمنى، قبل أن أموت، ويوما ما سأموت، أن يعلمني أحد أصحاب العمائم ومرتدي أغلى «البشوت»، من جماعة تقارب المذاهب والأديان، عن اي نجاح أو تقارب حققته هذه المؤتمرات منذ نصف قرن وحتى اليوم.
أحمد الصراف