«… الثقافة والإبداع الفني ليس لهما وطن ولا تحدهما السياسة»!
(قارئ!)
***
ذكرتني رسالة القارئ بحادثة بينت مدى تجنينا على أنفسنا والآخرين، عند تطرقه لدور الشاعر مهيار الديلمي في الثقافة العربية، حيث أعادتني كلماته لأيام دراستي في «الصديق»، عندما طلب منا مدرس العربية حفظ بعض أبيات لـ «الديلمي»، وأتذكر منها:
«لا تخَال.ي نَسَباً يَخف.ضن.ي
أَنَا مَن يُرض.يكَ ع.ندَ النَّسَب.
قَومي استَولَوا عَلى الدهر فتىً
وَمَشُوا فَوق رؤوس. الحُقَب..
عَمَّمُوا بالشَّمس. هَامَاتَهُمُ
وَبَنَوا أبياتَهُم بالشَّهَب.
وأب.ي كسرَى عَلَى إ.يوَان.ه.
أَينَ ف.ي النَّاس. أَبٌ مثلَ أب.ي
سُورةُ المُلك القُدَامَى وَعَلى
شَرَف. الإ.سلام. ل.ي وَالأدَب
قَد قبستُ المَجدَ م.ن خَير. أبٍ
وقبستُ الدّ.ين م.ن خَير. نَب.ي
وَضَمَمْتُ الفخرَ م.ن أطراف.ه.
سُؤدَد الفُرس وَد.ين العَرَب.».
وربما قال تلك الأبيات إما تفاخر باصله، او إيمان به وبأدبه العربي وانتمائه للعروبة والإسلام. فالمدرس طلب منا حفظ الأبيات ولكنه لم يخبرنا بمن هو مهيار، ولهذا غاب عن ذاكرتي تماما، ولم أتذكره وأنا أكتب مقالاتي السابقة موضوعنا! كان ذلك قبل نصف قرن، عندما كان هناك نوع من التسامح وحب معرفة ثقافة الآخر، أما الآن فلا أعتقد ان له بيت شعر واحداً في اي منهج دراسي، دع عنك سيرته، ولست بطبيعة الحال مؤهلا للحكم على مدى جودة شعره، ولكن تاريخه، او هويته، كفيلة بأن تبقيه طي النسيان، لتستمر العداوة والكراهية ويستمر التجهيل بالآخر.
يعتبر أبو الحسن مهيار الديلمي، والذي ينسب لمنطقة دليم القريبة من ميناء بوشهر، والتي تكتظ تاريخيا بمجموعات كبيرة من العرب، والذين ربما أخذ معرفته الواسعة بالعربية منهم، كاتبا وشاعرا فارسيا؛ وكان مجوسياً، ولكن بتأثير من الشريف الرضي أسلم، واصبح شعره لآل البيت، وهذا ما جعل أبو القاسم بن برهان يقول له: يا مهيار قد انتقلت بأسلوبك في النار من زاوية إلى زاوية، فقال: وكيف ذاك؟ قال: «كنت مجوسيا فصرت تسب الصحابة في شعرك!».
كان مهيار شاعرا جزلا، وله أكثر من 383 قصيدة، ويتصف شعره بالرقة، وباله طويل في النظم، وعاش في بغداد، وكغيره من الشعراء والأدباء والقادة والعظماء في تاريخنا، الذي تغلب عليه «الشفاهة»، فإن تاريخ ميلاد مهيار غير معروف، وربما ولد سنة 365 هجرية.
أحمد الصراف