استدعى الشيخ الجليل مساعده وطلب منه الاتصال بعدد من الشخصيات المعروفة لكي تستعد لمرافقته في رحلته المقبلة إلى الهند، وكانت تلك التجربة، كما رواها صديق، الأولى لذلك المساعد في السفر مع تلك الشخصية الكبيرة. بعد وصولهم والاستقرار في قصر الشيخ، طلب منه تذكير «اصحابه» لكي يشارك كل منهم في «الحطة»، والحطة مبلغ من المال يدفعه الأصدقاء جميعا في ما بينهم بالتساوي، مشاركة في تكاليف رحلة أو ما شابه ذلك. ويقول إن صوت الشيخ الوقور منعه من الاستفسار أكثر، مع أنه لم يستطع اخفاء تعجبه من الأمر، والذي أقلقه التفكير فيه طوال الليل، فكيف يقوم من هو في مكانته وحكمته بذلك التصرف الغريب، ويطلب من أصدقائه، الذين دعاهم بنفسه لمشاركته رحلته تلك، والسكن في قصره الخاص، وهم ضيوفه، المساهمة معه في التكاليف من خلال «حطة» على المستوى والقدر نفسهما؟ ويقول إن فضوله «الصحفي» دفعه في اليوم التالي لأن يعود ويفتح الموضوع مع الشيخ الوقور، وهنا بدت شبه ابتسامة على وجه الشيخ، الذي قلما يضحك، أو حتى يبتسم وقال له: يا يوسف، هؤلاء كانوا أصدقائي عندما لم أكن حاكما، وكانت العادة أن نتشارك ونساهم مجتمعين في الكثير من الأمور، واليوم اصبحت حاكما، ولا اريد أن تنقطع العادة معهم! فعاد صديقي وقال للشيخ: ولكنهم، يا طويل العمر، ضيوفك الآن، وأنت الذي طلبت منهم مرافقتك، فكيف تطلب منهم مشاركتك تكاليف الرحلة؟ فرد الشيخ قائلا: هؤلاء اصدقائي ومقربون لي، وبحكم تواجدهم بقربي فانني أسألهم عرضا في بعض الأمور واستشيرهم في ما أحار فيه، واستأنس برأيهم، فان أغدقت عليهم الهدايا وجعلتهم من اتباعي وصرفت عليهم، فسيربط كرمي ألسنتهم، ولن يخلصوني الرأي والقول، ولن يحاولوا يوما تكدير خاطري في ما لا أرغب في سماعه، لكي لا يخسروا ما هم فيه من «عز»! ولكن طالما أنهم يشعرون بأن لا فضل لي عليهم، ماديا على الأقل، فان رأيهم سيكون صادقا، وليس بالضرورة صائبا! وأضاف الصديق أن طلب المشاركة في الحطة ربما لم يكن في مصلحة اصدقاء الشيخ من الناحية المادية، ولكنه كان حتما في مصلحة حفظ كرامتهم ومكانتهم العالية في مجتمعهم! انتهت القصة.
العبرة والحكمة واضحة ولا تحتاج إلى تفسير أكثر! وفي الغرب «الكافر» تنص القاعدة الفقهية على أن من يدفع له حق السؤال، ويلخصوها بـ: No Taxation, No representation.
أحمد الصراف