يقول القارئ صالح .ع، انه يشعر في هذه الأيام بأنه محاط بــ«وحوش قبلية انتخابية» لا يستطيع ازاءها فعل شيء، فهو يرفض الاستسلام لإغراءاتها، فوجوده ضمن منطقة انتخابية يفرض عليه نهجا لا يتفق وتفكيره وتفسيره لمعنى المواطنة، حتى لو كانت نتائج «الفرعيات» في مصلحة قبيلته وعائلته، ماديا وسياسيا، لأنه يعتقد أن في ممارستها حجر على اصحاب الفكر المبدع، وما أكثرهم، ولن ينجح فيها غير من يعد بمال أكثر أو «واسطة حكومية» أفضل! وقال صالح انه يعاني وغيره الكثيرون من الوضع، ليس لأنه يحرمهم من الفوز بالمنصب النيابي، بل لمخرجاته السيئة، ولمخالفته للقانون أساسا. وقال انه نجح في اقناع والده بتبني وجهة نظره، ولكن في قلبه حرقة، وعاجز عن فعل شيء ويطالبني بالكتابة عن الموضوع!
مع بداية الحرب العربية اليهودية في 1948، وتأسيس دولة إسرائيل، روجت وسائل إعلامهم انهم سيغتصبون اي امرأة عربية تقع في ايديهم، وقيل ان الخوف من هذا المصير دفع مجموعة من الفلسطينيين الى ترك وطنهم والهجرة، ولسان حالها يقول: «الأرض ولا العرض»، أي أن تذهب الأرض ولا يذهب «الشرف»! ولكن مع ضياع الوطن تبين ان كل شيء آخر ضاع معه! لسنا هنا في مجال تصديق أو تكذيب هذه الرواية، ولكن نذكرها كمثال يمكن التعلم منه في وضعنا الحالي. فالوقوف بجانب المصلحة الشخصية، أو تفضيل مصلحة القبيلة على مصلحة الوطن سينتج عنه في النهاية، لا محالة، فقدان الوطن، وبفقده سنخسر جميعا كل شيء، وهذا سيحدث لأن كل القبائل، ومعهم بقية الطوائف والأحزاب الدينية، يتقاتلون على الامتيازات والمنح نفسها، وهذا التكالب والتقاتل، في ظل موارد الدولة المحدودة، والتي تزداد شحا مع الوقت، كفيلان بتخريب كل شيء، وإن خرب الوطن خربت القبيلة!
ما أود قوله كذلك لصديقي صالح هو أنني سبق ان مررت، منذ عقود، بالمشاعر نفسها التي يمر بها الآن، فاعتراضه الآن على الانتخابات الفرعية، يذكرني باختلافي، أو معارضتي لتقاليد طائفتي، فالرفض، خاصة في البداية، لم يكن سهلا، وكنت أتساءل دائما: ما هو الأفضل أن أكون مواطنا، وبامتيازات لا تختلف عما لغيري، أم أكون طائفيا وبامتيازات أفضل من غيري؟ وكان الجواب بالنسبة لي واضحا، وهو ما جعلني مختلفا، بعكس ما كانت عليه الحال مع الغالبية، ولا يزال، فهذه الأغلبية، عندنا وعنده، ترى أن معزة الوطن مستمدة من معزة الطائفة او القبيلة، بينما يجب أن يكون العكس هو السائد والصحيح. وقد خسرت الكثير في البداية بسبب عدم طائفيتي، ولكني لم أندم قط على اختياري! وعليه، أنصح صالح واخواته وأهله بمقاومة الفرعيات ورفض تغليب مصلحة القبيلة على مصلحة الوطن، ولا ادعي أن هذا سهل، ولكنه الأمل الوحيد في بقاء وطننا الصغير، فبلاه نحن لا شيء، واسأل المحروم ما يعنيه الوطن!
أحمد الصراف