سبق ان تطرقنا قبل عشر سنوات تقريبا لموضوع هذا المقال، ونعيد كتابته بعد الترحيب الذي لقيه مقال سبقه عن الدرس الحضاري الذي تعلمته من سيدة إنكليزية!
ما ان أقلعت طائرة الخطوط البريطانية من مطار هيثرو، في طريقها لبوسطن، حتى اقتربت المضيفة من مسافرة وسألتها إن كانت قد فقدت شيئا، فنفت هذه ذلك! عادت لها بعد دقيقتين وكررت السؤال وطلبت منها ان تبحث في حقيبة يدها، وأن المطار على اتصال بكابتن الطائرة بهذا الخصوص، وان الإرسال سينقطع خلال لحظات! هنا بحثت السيدة في حقيبة يدها فتبين أنها فقدت محفظة نقودها، وفيها مبلغ نقدي لا بأس به وبطاقات ائتمان أشياء ثمينة ومهمة أخرى! أسرعت المضيفة لمقصورة القيادة، ورجعت بعدها لتخبرها بأن محفظتها عثرت عليها بائعة محل العطور، التي أبلغت الأمن الذي قام بالبحث عنها، وفي أثنائها أقلعت طائرتها، فاضطروا للاتصال بقائدها، وهو في الجو، ليُعلموا المسافرة بالأمر! لم تنته الحضارة هنا، بل استمرت في دراميتها عندما سألت المضيفة المسافرة، وهي تخبرها بأن محفظتها سترسل مع الرحلة التالية، إن كانت تحمل نقودا معها، أو ان احداً بانتظارها في المطار، فعندما نفت ذلك، قالت لها انها ستعطيها مبلغ 100 دولار نقدا لاجرة التاكسي ولشراء أي ضروريات! وفي اليوم التالي حضر موظف من شركة الطيران لعنوان سكن السيدة، وسلمها محفظتها بكامل ما كان فيها من نقد وأشياء ثمينة أخرى! هنا نجد أن الحضارة ظهرت في أجمل صورها من خلال تصرف بائعة شابة، ربما كانت في أمس الحاجة لما كان في المحفظة من مال، وكان بإمكانها الاستيلاء على المبلغ، أو حتى التأخر في إعلام الأمن، وهي على ثقة بأنها سوف لن ترى يوما وجه من نسيت محفظتها، لتقول لها «شكرا»، إن هي ردتها لها، ولا أعتقد انه طرأ على بالها دين ولون ولغة وجنسية من نسيت المحفظة، وهذا ذكرني بفتوى الداعية السعودي الذي حلل الاستفادة من بطاقات الائتمان المسروقة إن كان مصدرها بنكاً ربوياً! كما تجلت الحضارة في سرعة تصرف أمن المطار وتجشمهم عناء الاتصال بالطائرة هاتفيا، بعد الاستدلال عليها من خلال تفاصيل بطاقة صعود الطائرة التي أبرزتها المسافرة عند الشراء من محل العطور، وأخيرا توجت مضيفة شركة الطيران هذا الرقي والإنسانية في التعامل مع «البشر»، بسؤال المسافرة عن الكيفية التي ستصل فيها إلى بيتها، إن لم يكن لديها أجرة التاكسي وتبرعها بمائة دولار، وهو مبلغ كبير جدا في معناه بالرغم من تواضعه! وهنا يطرح سؤال نفسه طرحا: كم نحتاج لكي نصل لهذا المستوى من الإنسانية والرقي في التعامل مع البشر بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية؟
***
• ملاحظة: هذا ليس ملخصا لفيلم هندي، فالمسافرة كانت، ولا تزال، زوجتي، وكان ذلك قبل 25 عاما.
أحمد الصراف