مع اتفاقي التام مع ما ذكره الزميل محمد العجيري، فإنني إضافة الى ذلك أعتقد أن كارثة التعليم بدأت في منتصف ستينات القرن الماضي، عندما قرر خالد المسعود، وزير التربية وقتها، «تكويت» التعليم، ومن أجل ذلك قرر فتح معهد للمعلمين، ولتشجيع الانتماء له عرض منح المنتسبين له مكافأة مالية كبيرة، وهذا شجع المتردية والنطيحة، ومع قلة مخلصة، للانتماء للسلك، ولم يمر عقد حتى اكتشف الجميع مقدار الضرر الذي أصاب التعليم بشكل عام نتيجة سوء مخرجات المعهد، خصوصا بعد سيطرة تيار الإخوان المسلمين على العملية التربوية، نتيجة تواضع «قدرات مخرجات تلك المرحلة»، وما استمر بعدها من نجاح حركة الإخوان المسلمين ــ الفرع المحلي للتنظيم العالمي، في فرض المنتمين لهم في مرافق وزارة التربية، وبالذات في المناهج والمقررات! وهنا نجد مدى تجني الزميل الدويله على د. الخطيب عندما رد عليه بالقول إن غالبية وزراء التربية في الثلاثين سنة الماضية كانوا من التيار الليبرالي، وهذا طبعا غير صحيح، ولا يعني شيئا أساسا، فغالبية هؤلاء الوزراء «لم تسمح» لهم السلطة بالمساس بـ«مكتسبات الأحزاب الدينية»، كما يسعف الوقت غالبيتهم اصلا لإحداث اي تغييرات مهمة، هذا مع افتراض توافر النية والقدرة، أو الليبرالية المزعومة لديهم. وبالتالي نجد ان الحكومات المتعاقبة أهملت التعليم، إما بسبب عمق إيمانها بعدم أهميته، طالما توافر المال لحل كل معضلة ومشكلة، وإما لعدم رغبتها في إغضاب الجماعات الدينية، وفي كلتا الحالتين دفع الوطن والمواطن نتيجة ذلك، ونتائج الانتخابات الأخيرة خير دليل. ولأن حكوماتنا، لسبب معروف، «لا تقرأ» فقد فاتها أن جميع الأولويات والبرامج الانتخابية لعشرات الحكومات والأحزاب في الدول الشديدة التقدم تعطي التعليم الأهمية القصوى. ولو ولينا وجوهنا شطر المشرق، لوجدنا أن دولاً مثل الهند واليابان وكوريا وسنغافورة تدين بنهضتها الحديثة لنظامها التعليمي، وليس لأي شيء آخر! أما رجل الأمس المريض، تركيا أتاتورك، فقد طلبت من شركات أميركية تقديم عروضها لتوريد 15 مليون جهاز كمبيوتر صغير tablet devices لتوزيعها على طلبة المدارس، وهو أمر فشلنا في تحقيقه حتى الآن، على الرغم من أن حاجتنا لا تتجاوز %10 من حاجتهم، واحتياطياتنا النقدية تجاوزت الـ 300 مليار دولار، وهذه ستضيع حتما ان تولى «جيل فاشل دراسيا ومتخلف إداريا»، عملية إدارتها مستقبلا، وهذا ذكرني بقصة الطفل الأعرابي الذكي، الذي عرضوا عليه ألف دينار مقابل عقله فرفض، وعندما سألوه عن السبب قال: أخاف أن قلة عقلي تذهب بألف دينار (أو 300 مليار) فأبقى بلا عقل ولا ألف دينار!
أحمد الصراف