عارضنا طوال عقدين، وعبر عشرات المقالات، اقحام الدين في الأمور التجارية والاستثمارية، أو إقدام رجال الدين على إقحام أنفسهم في الأمور السياسية، وقد اثبتت عشرات التجارب صحة تحذيراتنا، خاصة أن نوايا غالبية هؤلاء كانت معروفة وتتلخص في التربح المادي أو المعنوي من سمعة ووضع الدين في أفئدة الكثيرين، وبالتالي لم تكن رفعة الدين أو اعلاء أمره من أولوياتهم. وقد كشفت الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي عصفت باقتصادات الدول الكبرى، وأغرقت اسواقنا، أن اغلبية الشركات الاسلامية، او المتسترة بالدين، والعاملة «وفق الشريعة»، لم يحمها تسترها من النأي بنفسها عن الخسارة، وبالتالي لم تختلف عن غيرها من ناحية قابليتها، أو شديد حساسيتها للتأثر بما يحدث في الأسواق المالية العالمية، والتي تقوم أساسا على الفائدة التي «تدعي» هذه الجهات حرمتها، لكونها رباً بواحاً! ونعتقد بالتالي أن خسارة الشركات التي تقف وراءها «فكرة دينية» ستؤدي حتما الى تأثر الفكرة الدينية سلبا بالمقدار نفسه، ان لم يكن بمقدار أكبر بكثير. وقد ورد في القبس في 3/13 أن سوق الكويت للأوراق المالية قد أحال مؤسسة مالية اسلامية، كانت يوما الأكبر والأكثر نجاحا، الى التحقيق لانعدام شفافية بياناتها المالية، بعد أن تبين قيام المسؤولين عنها، المفترض أنهم متدينون، بعدم الدقة في بيانات الشركة المقدمة للبنك المركزي، ومحاولة خداع السلطات الرقابية باخفاء أمور خطيرة تتعلق بصحة أوضاعها المالية! ولو علمنا بأن هذه المؤسسة الاستثمارية تعمل «وفق الشريعة»، ولها «هيئة رقابية شرعية» مكونة من «كبار العلماء»، يتقاضون مئات آلاف الدنانير سنويا مقابل رقابتهم لأعمالها ومطابقتها للشريعة، لعلمنا حجم الضرر الذي أصاب الفكرة والدين من «أخطاء وأفعال» هؤلاء، فأين كانت الادارة المتدينة واعضاء الهيئة الشرعية والرقابة الدينية من خسائر المؤسسة وكذبها؟ ولماذا لم يستقل أحد منهم أو يحذر من سوء تصرفات الادارة؟ ومعلوم أن الاجابة لن تأتي طالما أن فضيلته الأول وفضيلته الآخر معنيان، او متورطان في الأمر.
من جانب آخر، وجدنا أن دخول رجال الدين في السياسة قد أساء كثيراً للفكرة الدينية ولهيبة رجل الدين، وتجربة النائب حسين القلاف خير مثال، فقد دخل هذا الرجل السياسة، وأدخل كل تناقضاته معه، فلم تخل معركة لفظية في المجلس من وجوده وعصاه التي هدد فيها البعيد قبل القريب. كما تشابك بالأيدي مع أكثر من عضو، وشارك في اعتداءات لفظية مع بقية زملائه، وعرّض ما تمثله مكانته لمختلف الاساءات، التي كان هو أو ما يمثله في غنى عنها، وأعتقد أنه كان، وفكرته، في جميع الأحوال من الخاسرين. كما أن وضع أي سياسي يتطلب درجة من المكيافيلية، وهذه لا تتسق بشكل عام مع زيه الديني وما تمثله عمامته من وقار لدى المؤيدين! كما اثبتت التجارب أن تورطه داخل مجلس الأمة أو أمام كاميرات القنوات التلفزيونية قد اساء له، فالسياسة ليست لعبة سليمة ونظيفة في كل الأحوال، وما كان يجب لرجل دين مثله التورط في دهاليزها، أو هكذا يفترض، خاصة أنه غير قادر بسبب «وضعه الديني» اعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله؟
أحمد الصراف