ويستمر علي الصراف في سرده لتاريخ المسيحيين العرب، قائلا ان رشيد الشرتوني، المتوفى عام 1906، كان احد أبرز لغويي عصره، حيث وضع «مبادئ العربية في الصرف والنحو» مع تمارين في التصريف والاعراب، وكتابه «نهج المراسلة ومفتاح القراءة». كما سعى نجيب حبيقة لتعزيز الآداب العربية وتأليف قلوب الناشئة في خدمة الوطن، وكان خليل الخوري (1836)، أول من فكر في نشر جريدة عربية في بلاد الشام، فأبرزها إلى النور سنة 1858تحت اسم «حديقة الأخبار». وكان سليم شحادة (1907) قد قضى جل حياته القصيرة في خدمة الآداب واشترك سنة 1875 مع سليم الخوري في نشر معجم تاريخي وجغرافي سمي «آثار الأزهار». وكان نخلة قلفا البيروتي (1851) هو الذي نشر ديوان أبي فراس الحمداني. وكان لإبراهيم اليازجي دوره في نهضة الآداب العربية في مصر! ولم ينس الصراف في عجالته ذكر أفضال جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وأمين الريحاني، والأخطل الصغير، والشاعر القروي رشيد الخوري وخليل مطران واحمد فارس الشدياق ونجيب عازوري ومي زيادة وسلامة موسى، وصولا إلى إدوارد سعيد. كما لعب المسيحيون العرب دورا مشهودا، ومتميزا، في كل مجال ابداعي من مجالات الفن كفيروز وابنها زياد والأخوين رحباني، ومئات غيرهم ممن لا يسمح المجال لذكرهم جميعا!
ولكننا نرى اليوم كيف يتم تهجيرهم من ديارهم، وحرق كنائسهم، وكيف يعاملون بتمييز ديني وعنصري واضح، ويُعزلون، وتوضع على حقوقهم وحرياتهم قيود وشروط. كما بيننا، وخاصة من أولئك الذين يفتقدون أدنى درجات المصداقية، من ينظر لهؤلاء على أنهم «أهل ذمة»، ويصر على معاملتهم كـ «أقلية»! فإذا كان المسيحيون العرب «أقلية»، فكيف ننظر لمن هم في قامات طرفة بن العبد وامرؤ القيس والنابغة الذبياني، وهؤلاء جميعا والآلاف غيرهم مسيحيون؟ ولا أدري كيف يمكن أن تكون الثقافةُ العربيةُ عربيةً من دونهم، بل لا أدري أي ثقافة ستكون؟ فكيف يمكن قبول حرق كنائس هؤلاء وتهجيرهم من أراضي أجداد أجدادهم وقتل ابنائهم وتشريدهم في الأرض بعيون دامعة وقلوب حزينة وخواطر مكسورة، وهم الذين كانوا في البال والخاطر والسمع والبصر على مدى عصور وعصور؟ أسئلة ستبقى من غير جواب حتى يختفي هذا الكابوس المظلم من حياتنا، أو يتسبب في فنائنا إلى الأبد!
أحمد الصراف