كتب الزميل جهاد الخازن مقالا في «الحياة» يوم الخميس، سرد فيه وضع الكثير من الدول العربية وما يجري فيها من قتل ودمار وتخريب، وما تواجهه غيرها من مشاكل بيئية واقتصادية وبشرية لا حصر ولا حل لها، ووجه اللوم للكويتيين لعدم رضاهم عن أوضاعهم، وانهم يكثرون من توجيه التهديدات والتهم لبعضهم، وأن لا أحد منهم يود رؤية حقيقة أن كل دولة عربية لها مشاكل يصعب حلّها، إن لم يستحل ذلك، وأن الكويت هي الاستثناء، ومع كل ذلك يختار الكويتيون أن ينكدوا عيشهم بأيديهم، وان عليهم القبول بالوضع، وان يسافروا وينبسطوا ويصوموا رمضان (!). الغريب أن المقال وجد تجاوبا كبيرا، خاصة على الإنترنت، ومن يقرأه بعجالة يجد أن مع الكاتب الحق في ما ذكره، وان على الكويتيين القبول بأوضاعهم وان يحمدوا ربهم ويذهبوا ليهنأوا بعيشهم! ولكن بالتمعن قليلا في المقال نجده يروّج لفكرة أن أوضاعنا، بفضل حكوماتنا، هي الأفضل، وانه ليس بالإمكان افضل مما كان! وهو هنا لا شك يقارن وضع الكويت بما يجري في سوريا والعراق ومصر وليبيا، ولا يقارنها بالتي أفضل منها كماليزيا وتركيا والسويد، وبالتالي علينا أن نسكت ونستمتع بحياتنا، لأن حكومتنا أفضل من غيرها، وسلطتنا أعدل ما يمكن الحصول عليه، وأوضاعنا جميلة، وخزائننا ممتلئة بالأموال ورواتبنا جيدة وبترولنا تتنافس الدول على شرائه، وبالتالي، لمَ الاحتجاج؟ وما موجب رفع سقف المطالب؟! فيكفي أننا نجد دائما شيئا نأكله وجنسا نمارسه، وتجولا نقوم به، وكل عام والجميع بخير. ولكن يا سيد جهاد، ماذا عن حقوق المرأة المُهدَرة؟ ماذا عن آلاف الطلبة الذين كدستهم حكوماتنا في صفوف مكتظة؟ وماذا عن تدهور التعليم وانتشار الفساد الإداري والرشى وسرقات المناقصات؟ وماذا عن نقص الجامعات الرهيب؟ وماذا عن الزيادات الهائلة في رواتب الموظفين، التي أكلها الغلاء، والتي دفعت لشراء الولاءات وإسكات المطالبات، التي اختفى مفعولها بعد ساعات؟ ماذا عن انقطاع الكهرباء وتأخر تنفيذ مشاريع حيوية يحتاجها المواطن؟ ماذا عن مشاكل المرور التي يذهب ضحيتها المئات سنويا من دون سبب؟ ماذا عن الكوارث البيئية والجرائم التي ارتكبت في حق الوطن والمواطن، والتي لم توجه التهم حتى لفرد على ارتكابها؟ ماذا عن مشكلة «البدون» التي خلقتها السلطة وعجزت عن وضع حل لها حتى الآن؟ جميل أن تكتب مقالك يا عزيزي جهاد وتقارن اوضاعنا بغيرنا، ولكن عليك أن تتذكر انه ليس بالخبز وحده، ولا حتى بالجاتوه، يحيا الإنسان! فسقف مطالب إنسان القرن الــ 21 لا تقتصر على توفير الخبز، بل تتضمن أيضا عودة الليبرالية التي طالما اشتهرت بها الكويت، ودستورها شبه العلماني خير شاهد، وتطالب بوقف التضييق على الحريات، ووقف مطالب قوى الظلام، التي تكسب أرضا جديدة كل يوم، ولن يكون هناك مكان لغير رأيها قريبا، وقانون قتل من يتعرّض للرسول وزوجاته، ولو سرا وهمسا، خير مثال، وهكذا! وبعد كل ذلك تريدنا أن نسافر وننبسط ونصوم رمضان؟ وهذا طبعا يفترض أن الجميع قادرون على السفر، أو أن الكل مطمئن على مستقبل ابنائه وأحفاده، وهذا غير صحيح في ظل كل هذا الخراب الذي نعيشه، فالخبراء يقولون ان حكومتنا، التي أطنبت في مدحها، ستعجز قريبا عن دفع رواتب موظفي الدولة، دع عنك توفير بقية مطالب وحاجات الأمة، إن استمرت اسعار النفط في الانخفاض، فما الذي ستقوله في حينها؟!
شكرا للفت نظرنا لأوضاعنا، وللسعادة التي نعيشها، وأتمنى أن يبقى قلمك حرا وبعيدا عن المدح الزائف، فمن السذاجة الا ترى في الكويت غير تلك الصورة النمطية المتمثلة بملايين دولارات النفط التي تصب في جيوب المواطنين، وتجعلهم الشعب الأكثر «سعادة» و«ثراء»، وبالتالي عليه أن «يسكر نيعه» ويسكت عن التجاوزات والسرقات وانتهاك الحريات، وأن يصوم بعدها رمضان!
أحمد الصراف