تدور في أروقة وزارتي العدل والأوقاف حرب شرسة، تشبه «داحس والغبراء»، إلا أنها أقصر منها زمناً، ومرشحة لأن تطول أكثر مع الوقت، وأطرافها كبار موظفي الوزارتين المنتمون إلى حركتي السلف، النصف صالح، و«الإخوان» غير الصالحين! ومن حقنا هنا أن نصف الإخوان بأي وصف نراه، بعد أن أنكر كبير فيهم أي علاقة لإخوان الكويت بمصر وغيرها، وبالتالي كشف مدى جهلنا لأننا اعتقدنا يوماً أن جمعية «الإصلاح الاجتماعي»، والتي كانت في خمسينات القرن الماضي تسمى بـ «الإرشاد الإسلامي»، لا علاقة لها بالتنظيم العالمي للإخوان، وليست الفرع المحلي لهم، ولم يقم الفرع الكويتي يوماً بمساندة الفرع المصري مادياً ولا بإيواء وتوفير الملاذ الآمن للكثير من كوادرهم، عندما لجأوا إلى الكويت في بداية الخمسينات هرباً من بطش عبدالناصر بهم! ويبدو واضحاً أن من ادعى خطأنا وخطأ غيرنا، قد كشف ليس فقط عن عدم المصداقية، بل وعن مدى السذاجة وقلة الخبرة، ولا أدري كيف فاته أنه لا يزال يعيش بيننا بعض من الذين كانوا يوماً جزءاً حيوياً من الجمعية، وهم على علم تام بالجذور الحقيقية لجمعية الإصلاح، أو «الحركة الدستورية» وفكرهما الديني والسياسي! وقد كنت يوماً على علاقة بأحد كبار إخوان مصر في الكويت، وهو المرحوم إسماعيل السيد، وهو لعلم «الباشمهندس» من أوائل من لجأوا إلى الكويت في بداية الخمسينات، وجاء بكتب توصية من حركة الإخوان في مصر، وكنت، حتى وفاته، وكيلاً عنه في بعض أموره المالية، ومنها تسجيل بيته في الكويت باسمي! وقد اكتفيت بذلك بعد رفضي لإلحاحه المستمر بمشاركته في أعماله، ولثقته بي، بعد علاقة استمرت لثلاثين عاماً، أسر لي بأمور كثيرة تمس شخصيات من «الإخوان»، وكان يقول لي إن جميع من تعرف عليهم كانوا غير جديرين بثقته، وأن البعض منهم سرقه وكذب عليه في عقود هندسية، وأن غالبيتهم يعيشون حياتين منفصلتين، واحدة أمام الناس، والأخرى خلافها، وأنه يعرف أسراراً تستحق أن تروى، ومنها ما يخجل من ذكره! وقد حاولت كثيراً حثه على كتابة مذكراته على أن تنشر بعد سنوات من وفاته، واقترحت عليه اسم الزميل محمود حربي ليساعده في تجميع أفكاره لما له من دراية أدبية، ولكنه كان يخاف تبعات نشر أي شيء لمن لا يعرف، وأنه يثق بي وسيمليها عليّ يوماً، ولكنه توفي قبل عام تقريباً، وقبل ميلاده التسعين بقليل، وكان على علاقة بمرشد الإخوان الأسبق مصطفى مشهور، الذي عاش في الكويت لسنوات، بعد لجوئه إليها! وبالتالي، نجد أن أي إنكار لعلاقة جمعية الإصلاح أو الحركة الدستورية بالتنظيم العالمي للإخوان محاولة ساذجة، والغريب أن من نكر وجود العلاقة وكأنه يتبرأ من شيء مشين في تاريخ حركة الإخوان في مصر!
نعود لحرب داحس والغبراء في الأوقاف، ونقول إن آخر ضحايا الحرب بين الإخوان والسلف، وهذا دليل آخر على علاقة إخوان الكويت بمصر، هو الخطيب السلفي المتشدد سالم الطويل، الذي تسبب هجومه المستمر على جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد فوز محمد مرسي بالرئاسة، في إعفائه من الإمامة والخطابة بقرار من مدير إخواني الهوى في الوزارة! فإذا كانت الحركة الدستورية وجمعية الإصلاح، بعد كل هذا التاريخ الطويل، لا علاقة لهما بالإخوان المسلمين في مصر، فهذا يعني أن الكويت كلها كانت تعيش في وهم على مدى أكثر من 65 عاماً!
أحمد الصراف