تقول الطرفة ان آدم وحواء كانا حتماً لبنانيين، فقد عاشا من دون كهرباء ولا ماء ولا طرقات معبدة ولا خدمات، ومع هذا اعتقدا انهما يعيشان في الجنة، وهكذا حال اللبناني، الذي لو سألته عن بلاده، أو ربما ضيعته، لقال انها الجنة أو شيء من ذلك، ومع هذا لا يتردد في الهجرة بحثاً عن عمل أفضل، ولو في النار! وربما مع اللبناني الحق في أن يشعر بأن بلاده جنة، فالحقيقة أن به كل ما يتمنى المرء، ولكن أحياناً لا يدركه! فلبنان يتميز بهوائه العليل، وخدماته الطبية والتعليمية، وسياحته، من طعام وفنادق وبحر وتزلج ومصايف، ولكن «الحلو ما يكمل»، فمشاكل لبنان أكبر من حجمه بكثير، ولكن هذه قصة أخرى!
الطقس الجميل يجعل النفس جميلة ومن يعيش فيه أسهل معشراً ممن يعيش في الجبال والصحارى المقفرة، حيث تغلب على سكانه الخشونة والجلافة حتى، وبالتالي نرى ان للطقس، وفي أي بقعة على الأرض، تأثيره الرهيب على تصرفات الإنسان ومعيشته وأخلاقه وطعامه ولباسه وحتى آرائه، فالإنسان ابن بيئته، فسكان الصحراء عادة حذرون لا يرحبون بالغريب، فليس عندهم ما يعرضونه عليه، بعكس سكان الثغور البحرية، الذين تنفرج ثغورهم لرؤية غريب، فهذا يعني انه بحاجة لطعام وشراب ومسكن، وربما أشياء «لطيفة» أخرى، وهذه جميعها معروضة للبيع! كما نجد للطقس تأثيره على نوعية ما يتم تناوله من طعام، فأهل الكويت مثلاً، والخليج عموماً، لا يستسيغون تناول المأكولات البحرية في وجبة العشاء، وسبب ذلك يعود لما توارثوه من عادات ليست بالقديمة كثيراً، فقد كان السمك يشترى صباحاً، وكان لا بد من تناوله في وجبة الغداء، فعدم توافر البرادات صعب من عملية حفظه طازجاً! كما لم يكن أحد يستسيغ تناول السمك مساء عند غيره خوفاً من ألا يكون طازجاً!
وبالرغم من توافر البرادات الآن فإن نسبة كبيرة من الكويتيين لا تزال على عدائها القديم لتناول السمك ليلاً! ونجد عكس ذلك في المناطق الباردة، حيث لا يتردد سكانها في تناول أي شيء في أي وجبة، فهم يقومون بتجفيف الأسماك وتدخينها بطرق عدة، ويتناولونها مقددة طوال العام، فبرودة الطقس تحفظها في حال جيدة لسنوات عدة! كما نجد ان الملابس التي يرتديها الخليجي أو الآسيوي بشكل عام خفيفة ورخيصة، وخياطتها غير معقدة، فالدشداشة هي الأنسب ـ والأرخص ـ للطقس الخليجي. وعندما يسوء الطقس تنخفض الأنشطة البشرية والتواصل الاجتماعي إلى الحد الأدنى، ولكن ما أن تشرق، خاصة في البلاد الباردة، أو يبرد الطقس في البلاد الحارة، حتى تزداد الزيارات وتتآلف القلوب ويلتقي الأحبة، ويزداد رواد المقاهي والمطاعم! وأذكر اننا عندما كنا صغاراً كان أهالينا يخيفوننا بـ«حمارة القايلة» التي ستعضنا إن خرجنا من البيت ساعة الظهيرة، والقايلة هي ذروة الحرارة! وطبعاً من السخف محاولة إخافة طفل دانمركي مثلاً بحمارة القايلة، فهؤلاء يبحثون عن الشمس بالتفك! كما نقول باللهجة المحلية، والتفك هو البندقية، والتفنكجي هو صانع البنادق، والكلمة فارسية ويستخدمها الأتراك، وهناك أسر في لبنان وسوريا والسعودية تحمل هذا الاسم!
أحمد الصراف