يقول المثل: كل الجمال تعارك، إلا جميل «طيبة» بارك! في وصف تحرك الأمور من حولنا، ونحن على جمود! فما يحدث في المختبرات العلمية وفي مراكز تجميع وتحليل المعلومات ومعامل تطوير أجهزة الاتصال وتحسين أداء الطائرات لجعلها أكثر سلامة وسرعة، وما يصرف من مليارات على برامج ارتياد الفضاء، وآخرها هبوط «كيوريسيتي» على المريخ، وهو الحدث الذي يعني بداية عصر في استكشاف المريخ، في وقت نكون فيه في منتصف عصر اختلافاتنا على أمور مر عليها 15 قرنا، ولا نزال نتطاحن ونتقاتل حولها، ويحدث كل هذا وكأننا لسنا هنا في هذا الكوكب العتيق، منشغلين بأمورنا راضين بما وفره النفط لنا في الثلاثين سنة الماضية، وما سيوفره لنا من طعام وسيارات وطائرات وأسلحة في الثلاثين سنة القادمة، في أفضل الأحوال، ولن نعرف بعدها ما نفعل فحتى أصابعنا، التي ستكون من قلة الماء وندرة الصابون شديدة القذارة، لن نستطيع العض عليها ندما بسبب غبائنا، فكيف نصدق، ونحن ضمن كل هذا الخضم من التغير والتطور الذي تمر به الدنيا كلها، ان فريقا منا يحرم بيع العقار لمواطن مسلم مثله فقط لأنه من مذهب مخالف؟ أو أن هناك من يحرم مشاهدة الألعاب الأولمبية، أو المشاركة فيها، أو أننا يجب أن نغير اسم «أم كلثوم» إلى «أم الثوم»! فمن يسمع هذا يعتقد أننا انتهينا من قضايا ومسائل التقدم والتطور وإشكالات الأمن والسلامة، وتفرغنا للقضايا الصغيرة ككيفية نتف شعر الإبط! ولو لم يكن الأمر كذلك لما ثار فريق من «علمائنا» على صحة ودقة مواقيت الصلاة، بالساعة والدقيقة، التي تتبع حاليا، فمن يسمع أو يقرأ ذلك يعتقد أننا مثال الدقة في بقية مواعيدنا والتزاماتنا، وهذا غير صحيح طبعا، وهل المهم دقة ساعة الصلاة أم سمو معانيها؟ أما اكتشاف البعض أن «عبادان وقزوين» ليستا من أبواب الجنة الثمانية (الوطن 16/7)، فهو الخبر الذي كنا ننتظره، وهو جدل لا يزال يدور بين مؤيد ومخالف لهذا الوصف، والطريف أن لا أحد اهتم بما يعنيه ذلك بل بصحة المكان فقط، والذي تصادف وجوده في دولة يعتبرونها معادية لهم، مذهبيا وسياسيا! ولا أدري لماذا ينشغل الآخرون في جامعاتهم ومختبراتهم بإنتاج أفضل الأدوية والأمصال، وكل ما يفيد حياة البشر وصحتهم وسعادتهم ورفاهيتهم، ونبقى مشغولين بالفتوى التي أصدرها أستاذ في جامعة الإمام سعود من أن الجنة لا يدخلها غير اصحاب الفرقة الناجية من أهل مدينة محددة ومن تبعهم! وهذا يعني قصر دخولها على بضعة ملايين أو ربما بضعة آلاف وحرمان سبعة بلايين (بلايين) من البشر منها! ولا ننسى في هذه العجالة ما ذكره آية الله مكارم الشيرازي من أن تناول لحم الدجاج ينتج عنه فقد الغيرة والرجولة! وهذه الفتوى كان مصدرها الأول، حسب علمي، السيد كفتارو، مفتي سوريا، وسبق أن كتبنا عنها قبل أكثر من 10 سنوات، ونبش عنها الشيرازي بعد انقطاع الدجاج عن أسواق طهران وارتفاع سعره، علما بان «الجوجه كباب»، كان ولا يزال الأكلة المفضلة لرجال الدين هناك، ومع هذا لم يثبت يوما أن تناولها بتلك الكثرة أثر في خصوبتهم، أما الغيرة فلا نعرف كيف نقيسها، وليست بحساباتنا لانها عاطفة غبية في جزء كبير منها وتدل على عدم الثقة بالنفس، أو هذا ما يقوله علم النفس الحديث!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com