في عام 1940 قام عبقري السينما شارلي شابلن بإنتاج وإخراج وتمثيل فيلم «الدكتاتور العظيم»، وسخر فيه من الدكتاتورية، وتنبأ بجرائم النازية قبل وقوعها، وهي الجرائم التي أودت بحياة 60 مليونا من البشر، وتشريد وتشويه أضعافهم، في حرب عنصرية عبثية لم يعرف لها التاريخ مثيلا، وكل ذلك من أجل أوهام رجل مريض اعتقد أن قومه أفضل من غيرهم، وبالتالي على الآخرين أن يكونوا من درجة أدنى! ولا يزال الفلسطينيون، على الأقل في منطقتنا، يدفعون ثمن جرائم ذلك الأحمق!
يقول شابلن في خطبته الشهيرة في الفيلم: أنا آسف، أنا لا أريد أن اكون امبراطورا، هذا ليس من شأني، لا أريد أن أحكم أو أغزو اي أحد، يجب أن اساعد الجميع، يهودا، كفارا، سودا وبيضا! نحن جميعا بحاجة لأن نساعد بعضنا البعض، فقد وجد البشر هكذا. نريد العيش سعداء بجانب بعضنا وليس بأن نسعد بتعاسة غيرنا. لا نريد ان نبغض ونكره بعضنا، هناك في هذا العالم مجال للجميع، فالأرض طيبة وغنية ويمكنها أن تقدم للجميع كل ما يحتاجونه، ولكن يبدو أننا ضللنا الطريق، وسمم الطمع أرواحنا وملأ العالم بالكراهية، وأصبحنا نمشي كالإوز نحو التعاسة ونميل لإراقة الدماء.
لقد طورنا السرعة، ولكننا حبسنا أنفسنا في الداخل، وبالرغم من أن الآلات تعطينا الكفاية فإننا أصبحنا نريد الأكثر، كما أن معارفنا جعلتنا نفكر بأنانية، وأصبح ذكاؤنا مصدر تشدد وتفرقة، فنحن نفكر كثيرا، ولكن نشعر بدرجة أقل، وأصبحنا بحاجة لأن نكون بشرا، أكثر من حاجتنا للآلات، فنحن نحتاج للطف والرفق أكثر من حاجتنا للذكاء، لقد قربتنا الطائرات والراديو لبعضنا، ولكن أشياء أخرى أبعدتنا أكثر عن بعضنا، فالبشرية تنادي للاخوة ولوحدتنا جميعا. ورغم أن بإمكان الملايين سماع صوتي فإن الملايين أيضا غيرهم يعانون اليأس وهم ضحايا انظمة مستبدة وقاسية ودكتاتورية!… إلى آخر الخطبة الأشهر في تاريخ السينما!
لقد تذكرت الفيلم وأنا أشاهد إعادة للحفل الختامي الأسطوري لدورة الألعاب الأولمبية الأخيرة في لندن، واستمعت بتمعن شديد لرسالتها السامية، التي كانت تخاطب البشرية أجمع وتقول لها إنه لا خيار لنا إلا أن نعيش متحابين على هذه الأرض فلا محل للبغضاء والكراهية، وأن الجميع سئم من تعصب «البعض منا»، ويشعر بالغثيان من مناظر القتل والتعذيب وزج الأبرياء في السجون، وان العدل يجب أن يسود العالم، فجميعنا سواسية وإخوة، ويجب أن نكون متحابين، وبغير ذلك لن يسود السلام كوكبنا، وعلينا أن نحل خلافاتنا بالطرق السلمية وليس بالحروب، وبغير ذلك سنفنى جميعا!
وقد لخصت أغنية Imagine لمطرب البيتل الراحل جون لينون رسالة المهرجان وفلسفته القائمة على نبذ التعصب والتفرقة فكلنا سواسية، ولم تفرقنا غير أفكارنا السوداء بأن البعض أفضل من الآخر!
***
ملاحظة:
ما يجري في وزارة الصحة على يد الوزير الجديد، أمر غريب ومؤلم حتى لمن لا يحتاج لخدماتها! بعد ان أصبح وضعها كوضع الخطوط الجوية! فقد كانت آخر قرارات السقوط «طرد» الاستشاري الإنسان والجراح العالمي يوسف العوضي من رئاسة قسم جراحة المخ والأعصاب، وهو الذي رفع اسم الكويت عاليا في أكثر من محفل وعضوية عالمية! والآن هل سيتغير مكان وقوفه الطبيعي من أمام أسرة مرضاه، إلى الوقوف في أروقة المحاكم، مع زميليه د. السهلي ود. الخترش لاسترجاع حقوقهم؟ وهل هذا يجوز أصلاً؟
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com